ترامب وحكم المخاوف

نشر في 24-12-2016
آخر تحديث 24-12-2016 | 00:02
 حسين بوكبر منذ إعلان نتائج انتخابات 8 نوفمبر في الولايات المتحدة، التي أسفرت عن فوز مريح حققه دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، لم يتوقف مداد الأقلام المصدومة عن التحليل والتفسير والبحث عن المسببات ومحاولة فهم ما جرى. وقُدِّمت في ذلك دراسات قد تكون متعجلة ومقالات سودت صفحات آلاف من الصحف العالمية، وملأ المحللون السياسيون القنوات الفضائية، كلٌّ يدلي بدلوه، ويكشف عن زوايا علّها تفسر النتيجة المفاجئة.

وكان المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الموجود بالعاصمة القطرية قد نظم، مؤخراً، ندوة أكاديمية تحت عنوان "تداعيات فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية" شارك فيها مجموعة من الباحثين المختصين بالشأن السياسي الأميركي، في محاولة لفهم العوامل التي أدت إلى هذا الانتصار لمرشح لم يكن في جعبة برنامجه الانتخابي سوى حفنة من الشعارات الشعبوية المعادية للآخر والمعززة للرؤية الانعزالية، كشعار "أميركا أولاً" وشعار "صوت الشعب"، وغيرهما من شعارات تكرس كراهية الآخرين، كما عمدت بعض الأوراق المشاركة في الندوة إلى استشراف السياسات المتوقعة من إدارة ترامب القادمة.

وفي تصوري، فإن مسألة فوز ترامب يجب بحثها ضمن السياق الغربي برمته، إذ يشهد العالم الغربي تنامياً وصعوداً للتيار اليميني المتطرف، الذي كان قد حقق أول مكاسبه في خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الاوروبي، ما بات يعرف في وسائل الإعلام باسم "بريكسيت"، عبر استفتاء شعبي تحاول عدد من الدول الأوروبية أن تحذو حذوه. والحال أن حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، وكذلك أشباهه في دول القارة العجوز، بقيادة مارلين لوبان يبدو أنه غير بعيد عن تحقيق مفاجأة مماثلة لمفاجأة فوز ترامب.

ولكن، كيف نفهم هذا الصعود للتيارات اليمينية؟ تتنوع المقاربات في محاولة فهم هذا الانتشار، إلا أن المقاربة التي نراها أكثر قدرة على التفسير هي المقاربة الأمنية، إذ يعيش العالم الغربي هاجس الأمن في ظل المخاوف التي تحكم عقل الناخب الغربي، هناك الخوف من الإرهاب الذي بات يضرب في كل عام مرة أو مرتين إحدى العواصم الغربية، ولا ننسى أن جزءاً كبيراً من القوة الانتخابية تكمن في الطبقة الوسطى، وهي طبقة ترى نفسها مهددة في رزقها من موجات الهجرة في إطار النظام الاقتصادي الرأسمالي المعولم، غير أن مسألة الأمن الأساسية التي تؤطر الخوف من الإرهاب والأمن الاقتصادي، هي الأمن "الهووي" أو الأمن "الهوياتي". فغالباً ما يتم ربط موضوع الإرهاب بالمهاجرين واللاجئين، بل بالمواطنين من أصول أجنبية. والأمر ذاته مع الأمن الاقتصادي، فلنتذكر هنا أن شعار ترامب في استهدافه لطبقة العمال، كان الطبقة الوسطى البيضاء تحديداً. وهذا ما يفسر حصوله على أصوات هذه الطبقة رغم كونه شخصياً ينتمي إلى الطبقة الباذخة الثراء.

إذاً، هناك شعور لا يني يتضخم في الغرب، أي الشعور بالحاجة إلى المحافظة على الهوية ضد مخاوف متخيلة ومتوهمة، وهو أمر عزف ترامب عليه ببراعة أخفت التناقضات البنيوية الكامنة في خطابه، إذ إن في خطاب ترامب ثمة نزعات يمينية كما في خطابه بعض الوجهات اليسارية، ولا يمكن فهم ذلك إلا إذا اعتبرنا ترامب- وهو كذلك بالفعل- مرشحاً شعبوياً عمل على تأسيس حملته الانتخابية بصورة تعطي الجماهير ما تريد سماعه.

ولكن الحاجة إلى مثل هذا الخطاب الانتهازي قد انتفت الآن بعد انتهاء الانتخابات، من هنا يصبح التوقع أو تحديد الوجهة أو المسار الذي ستتخذه إدارة ترامب القادمة أمراً صعباً أو ضرباً من الرجم بالغيب.

back to top