التحفّظ والتحرّر... والخلاص!

نشر في 10-12-2016
آخر تحديث 10-12-2016 | 00:07
 خالد اسنافي الفالح لايزال سجال الفرقاء يحوم حول أحقية تمثيل كلٍّ من الكونزيرڤتڤيين (المحافظين) والليبراليين للمجتمع، في صراع يأخذ شكل الحلقة المفرغة، التي لا تلبث تنطلق من نقطة ثم تعود إليها دون نتائج تُذكر، أو شكل حوار الطرشان الذين لا يسمع بعضهم بعضا، وفيه تتداخل مفرداتهم، فلا حكمة يُستفاد منها ولا علم. إن منشأ هذا الصراع الكونزيرڤتڤي- الليبرالي مرتبطٌ بعلاقة كل طرف بـ"التراث"، فالأول متشبث به والثاني يهمله، ‏ووفق أطروحة "تشبث وإهمال" التراث هذه، فإن امتداد الصراع ليشمل تصورات مضارعة أو مستقبَلية لا معنى له، إلا ما انطلق منها من التراث غير المُصحّح، أو ما انطلق منها بما يناقضه.

من النتائج الظاهرة لهذا الصراع شيوع الفهم التأخّريّ المعتلّ، متمثلاً في انكفاء الكونزيڤتڤية عن مراجعة التراث وتصحيحه باعتباره دعوى للتقارب مع الليبرالية، كذلك الاضطراب التحرري المتمثل في دعوة الليبرالية لهذه المراجعة والتصحيح! ‏لذا تجد أزمة هذا الصراع بصورته العربية في مالك المرجعية البليد؛ الكونزيرڤتڤي، وفي فاقدها الأحمق المقلد؛ الليبرالي. ما المتأمّل من هكذا صراع؟ ‏الأمل كل الأمل في أن تدفع حماقةُ الثاني البلادةَ عن الأول دون اعتبار هذا الدفع ردة فعل تساير رغبات الثاني المتّهم بتقليد الغربي.

إن الدور الذي يجب على الليبرالية القيام به أمام الكونزيرڤتڤية هو الإتيان بالمتفرد الثائر إن صح القول، الذي لا يشابهه مثل شرقي ولا غربي، ‏وهذا المستحدث أو المبتدع يحتاج إلى إعمال العقل الخلّاق، الذي يبدو لي أن الليبرالي العربي يفتقده، في ظل نفيه الجازم لأهمية مرجعية التراث ودوره المعاصر. هذا التراث الذي تنقسم الكونزيرڤتڤية في فهمها لمرجعيته إلى فرقتين: (١) الحصرية: التي ترقى بالنص التراثي إلى مستوى المقدس، فلا تمسّه، كما لا تأخذ إلا منه. (٢) واللا حصرية: التي تفهم مرجعية التراث على أنها تجارب غير معصومة وقابلة للتصويب، سانحة المجال للأخذ بمرجعيات أخرى تتأثر وتؤثر دون أن تشكل ضداً لها.

هل بالإمكان جر هذا الصراع إلى نقطة يتلاقى فيها الغريمان؟ ربما، فبالرجوع إلى محصلة الفهم التأسيسي للمجتمع الكويتي متمثلاً بدستور دولة الكويت، نجد أنه أقام منطلقات كل فريق في مواده، محترماً مكانة التراث، وبذات الاحترام مُمَكِّناً لانطلاقة فكرية، ولتحقيق هذا التوجه الدستوري، فالمجتمع الكويتي بحاجةٍ إلى فريقين متصالحين؛ يعمد الأول لتأسيس التراث الجديد، فيما يعمد الثاني لربطه بالمرجعية التراثية بعد تنقيحها.

back to top