الاستعداد لما بعد تسوية الحرب السورية

نشر في 13-09-2016
آخر تحديث 13-09-2016 | 00:07
تتحمل تركيا ولبنان والأردن راهناً أعباء اقتصادية وسياسية كبيرة بسبب اللاجئين السوريين، وترضى هذه الدول بكلفة مماثلة لأسباب إنسانية، إلا أنها ستأبى ذلك عندما ترى أن باستطاعة اللاجئين السوريين العودة إلى وطنهم بأمان، فالتعاطف مع لاجئي الحرب يختلف كل الاختلاف عن التعاطف مع اللاجئين الاقتصاديين.
 وورلد بوليتيكس ريفيو بينما يعاني الشعب السوري حرمان الحرب وفظائع لا توصف، يبدو له على الأرجح ألا نهاية للعنف.

لكن الحرب ستنتهي عاجلاً أو آجلاً، وعندما يحدث ذلك، ستحتاج سورية إلى جيل أو أكثر من الدعم الدولي كي تتفادى العودة إلى العنف، تعيد بناء بنيتها التحتية واقتصادها المحطمين، تؤسس نظاماً سياسياً مستداماً، وتبدأ عملية الشفاء النفسية.

لا شك أن تأثيرات التسوية ستكون الأعمق في سورية بحد ذاتها وفي الدول المجاورة لها، لكنها ستنعكس أيضاً على أجزاء أخرى من العالم تعاني صراعاً داخلياً أو تتعافى منه.

في أوروبا، قد تساهم التسوية السورية في تأجيج الحركات المناهضة للهجرة. تبقى الخطوات التي تتخذها اليوم المنظمات والأحزاب المناهضة للهجرة محدودةً بسبب ما يذكرنا باستمرار بالفظائع التي يواجهها السوريون في وطنهم، فكل صورة لولد جريح أو قتيل تصعّب رفض المهاجرين، ولكن إذا خبا الصراع السوري، يسهل على الأوروبيين الامتناع عن استقبال المهاجرين أو إعادة مَن سبق أن رحبوا بهم. وينطبق الأمر عينه على جيران سورية، إذ تتحمل تركيا، ولبنان، والأردن راهناً أعباء اقتصادية وسياسية كبيرة بسبب اللاجئين السوريين، وترضى هذه الدول بكلفة مماثلة لأسباب إنسانية، إلا أنها ستأبى ذلك عندما ترى أن باستطاعة اللاجئين السوريين العودة إلى وطنهم بأمان، فالتعاطف مع لاجئي الحرب يختلف كل الاختلاف عن التعاطف مع اللاجئين الاقتصاديين.

أما تأثير التسوية السورية في التركيبة الجيو-سياسية في الشرق الأوسط، فيرتبط في جزء منه بمصير الأسد: هل يحقق النصر، أم يخسر، أم يرحل بملء إرادته، أم يؤدي دوراً في سورية الجديدة؟ إن بقي الأسد، يتواصل تدخل روسيا وإيران في سورية، على الأقل كمزودَين للدعم الأمني. وفي هذه الحال تُضطر الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، وشركاؤهما العرب إلى التعاون مع موسكو وطهران بغية نشر الاستقرار في سورية وإعادة بنائها. وقد تكون هذه خطوة إيجابية: إذا تعاونت الولايات المتحدة مع روسيا وإيران بهدف ترسيخ الاستقرار في سورية، فقد تتوصل إلى طرق للتعاون معاً في مسائل أمنية أخرى. في المقابل إن رحل الأسد فقد تتنافس تركيا، وإيران، والمملكة العربية السعودية لبسط نفوذها في سورية، أو ربما تقر بأن الفوضى في هذا البلد تهدد أمنها كلها، فتتعاون معاً لتطوّر نظاماً سياسياً جديداً.

علاوة على ذلك قد تقوّض التسوية السورية، التي تضمنها قوى خارجية، إلى حد كبير شرعية الأمم المتحدة، فخلال العقود الثلاثة الماضية عجزت هذه المنظمة عن تأدية دور قيادي في الصراعات الداخلية الكبيرة التي يكون لها عموماً انعكاسات جيو-سياسية بارزة، من البلقان في تسعينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا. وقد تؤدي هذه الخطوة إلى تأجيج المشاعر المناهضة للأمم المتحدة بين اليمين السياسي الأميركي، فعندما نتأمل نظرة دونالد ترامب إلى العالم وقاعدته الشعبية لا نتعجب من أنه يعارض بشدة مشاركة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وخصوصاً أن فوائد عضويتها في هذه المنظمة أقل وضوحاً مما تجنيه الولايات المتحدة من عضويتها في حلف شمال الأطلسي أو تحالفاتها الثنائية في آسيا.

من الممكن أيضاً أن تتحوّل الحرب الحالية في سورية إلى صراع مختلف، فقد كتبت ليز سلاي من صحيفة "واشنطن بوست" أخيراً أن الصراع مع داعش قد يولّد الكثير من الصراعات الأخرى في سورية والدول المجاورة. صحيح أن من المستحيل التوقع بدقة التداعيات الاستراتيجية الأوسع التي قد تترتب على تسوية سورية، إلا أننا متأكدون من أنها ستكون عميقة وشاملة.

ستيفن ميتز

back to top