الدهاء أعلى درجات السياسة!

نشر في 03-09-2016
آخر تحديث 03-09-2016 | 00:03
 يوسف عوض العازمي للحرب وسائل وطرق، وللسلام مفاوضات وآراء، وتحالفات واتفاقيات، وليس عيبا خسارة الحرب، وخسارة السلام ليست كارثة، ففي ميادين الحرب والسلام عاشت حضارات ودول، وهكذا التاريخ القديم والوسيط والحديث، حتى المعاصر يبين للباحث مدى الأحداث وجسامتها، ومن لم يقرأ التاريخ ويتعلم منه فلن يكون حظه مثل غيره، فالحياة عظات وعبر، وفائز وخاسر، وميت وحي.

من يتبحر في علوم السياسة يجد عدة أساليب للتصرف والوقوف والسير، ومن يتمسك بأيديولوجية معينة ويصر عليها في كل الحالات فلن يستطيع أن يسيطر على القرار السليم واتخاذه في وقته السليم، فالجاهل عدو نفسه، وليس من الحكمة أن تصر على التعامل بالحرب والسلام وفق أيديولوجية ثابتة صارمة جامدة لا تتغير بحسب الظروف واحتمالاتها، المرونة أمر مهم إن اتسقت في نسق واحد مع المبادئ التي تصونها أخلاقيات ومواقف لا تتزعزع.

في أحوال كثيرة تكون البراغماتية هي الخيار الأمثل للتعامل الواعي مع الأحداث الماضية وماهيتها، والواقع الحاضر وحيثياته، والنظرة المستقبلية وتعرجاتها.

وتفعيل مبدأ المصلحة النافعة، والوقوف بكل شفافية مع الوضع، والتحقق من مرجحات التقدم واحتمالات التقهقر، هي مهام القيادة الحكيمة، فالمصلحة العامة هي المبدأ، وظروف الحركة هي المتغير.

في "عاصفة الحزم" ومن ثم "إعادة الأمل" لم تسر الأمور حسب الأمنيات وأوراق المخططات، رغم أن البداية الرائعة كانت أقرب للعروض الجوية! فالحرب ليست سيطرة على مجال جوي فقط، الحرب بر وبحر وجو وبمساندة أعمال استخباراتية فائقة الكفاءة، وقيادة سياسية تقود العلاقات الدولية بدبلوماسية رصينة، وفقدان الكفاءة في أي ممن ذكرت أو قلتها سيكون وباله وخيما على الطرف المحارب.

والواقع يبين أن السيطرة المطلوبة تنقصها عدة أمور، لا مفر من التعامل معها بذكاء ودهاء حتى يتم الوصول إلى أفضل طريقة ممكنة تقدم وتقرب الهدف المطلوب.

واضح بعد مرور مدة ليست بالقليلة من بدء عاصفة الحزم أن الأمور ليست على ما يرام، ويتبين أكثر أن الحسم سيتأخر كثيرا، وقد لا يأتي إن استمر الوضع بهذه الطريقة التي لم تقدم الحلول الناجعة لحسم الأمور.

ما يحصل الآن أن الانقلابيين يحصلون على دعم مؤثر من حلفائهم، وبين وقت وآخر تضرب المدن السعودية الحدودية بالصواريخ، وإن تم تدمير منصة صواريخ ظهرت منصات أخرى، ولا ننسى المراوغة واللعب السياسي اللذين يجيدهما الثعلب علي عبدالله صالح، في طريقته بتوجيه الرسائل السياسية، وتلاعبه على حبال التنافس الإقليمي الرفيعة، وتوضح أكثر من ذي قبل أنه يحظى بدعم إقليمي معين تنبغي مواجهته بدهاء وبراغماتية، وملاعبته بلعبته نفسها، وتحييده ومن ثم عزله سياسيا، لأنه في هذه الحالة لن يصمد كثيرا، فهو يلعب على المتناقضات، ويعتاش على بقاياها، ويتأرجح على آثارها، وبالإمكان هزيمته بسهولة إن تعاملنا بواقعية، وأول الواقعية هو تنفيذ صفقات سياسية مع دول كبرى تحفظ مصالحنا، وتحقق الأهداف المرجوة، وبطريقة "لا يموت الراعي ولا تفنى الغنم".

لا بد من يد الحزم لحسم الأمور وعلى كل الصعد، وأهمها الجانب السياسي الذي يتطلع إليه قادة الميليشيات، لانتزاع شيء من الشرعية، والخروج من العزلة السياسية، مستغلين عدم قيام الحكومة الشرعية بدورها المنوط بها، في الجانب السياسي والخدمي، بسبب عدة أخطاء أهمها إعادة تدوير شخصيات عليها شبهات، وسوابق بالمواقف الضبابية.

حرب اليمن لن تحسم فقط بالقوة، بل يلزمها ذكاء ودهاء، وتعامل واقعي مع الأحداث على الأرض، وحذف المكابرة وراءنا، علينا أن نتحلى بأعلى درجات السياسة.

back to top