الخروج من الاتحاد الأوروبي سيشكل كارثة لبريطانيا

نشر في 03-01-2016
آخر تحديث 03-01-2016 | 00:01
ازدهرت بريطانيا كثيراً منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ومقارنة بالغموض والاضطرابات التي قد ترافق الخروج، يشكل هذا الواقع وحده سبباً كافياً للبقاء، وعلى قادة مجتمع الأعمال أن يأخذوا المبادرة، ويقيموا فوائد هذه العضوية، ويظهروها للناس بوضوح.
 ذي تيليغراف سيُطلب قريباً من الشعب البريطاني القيام بخيار مصيري: هل يغادر بلدنا الاتحاد الأوروبي أم يظل عضواً فيه؟

لا شك أن الاعتماد على العواطف في تقديم الحجج للإجابة عن هذا السؤال خطر جداً، سيشكل هذا تكراراً لمعركة الاستفتاء الاسكتلندي حين حاول الوطنيون العزف على أوتار القلب، مقدمين لحناً مليئاً بالمشاعر واجه المؤيدون للاتحاد صعوبة في التصدي له، ولكن ساد المنطق والعقل في النهاية، فقد رفع مجتمع الأعمال، الذي كان حذراً في البداية ومتردداً في الانجرار إلى الحلبة السياسية، صوته مقدماً حججاً مقنعة ترفض انفصال اسكتلندا.

ولكن على مجتمع الأعمال اليوم ألا ينتظر طويلاً، فقرار الاتحاد الأوروبي بالغ الأهمية من الناحية الاقتصادية، ويجب ألا يُترك حسمه للحظة الأخيرة، ببسيط العبارة يشكل خروج المملكة المتحدة كارثة.

على مجتمع الأعمال أن يرفع الصوت لأن دوره مهم، ففي المملكة المتحدة راهناً نحو 5 ملايين شركة خاصة توظف نحو نصف السكان (25.6 مليون نسمة)، في المقابل يعمل في القطاع العام 5.4 ملايين تقريباً.

إذاً، يجب ألا يبقى مجتمع الأعمال صامتاً أو يُهمّش، فيمثل قادة هذا القطاع شريحة من المواطنين تفوق مَن قد يمثلهم أي سياسي، أو صحافي، أو معلق. وبفضل عضويتنا في الاتحاد الأوروبي، تستطيع شركاتنا بيع سلعنا، من دون أي حواجز أو رسوم جمركية، لسوق قريبة من المملكة المتحدة تضم 500 مليون نسمة، ولا داعي للالتزام إلا بمجموعة واحدة من القواعد التي تشمل كامل هذه المنطقة الكبيرة والمعقدة، ونتيجة لذلك يشكل الاتحاد الأوروبي شريكنا التجاري الأكبر، ولكن إن خرجنا من الاتحاد الأوروبي، يصبح على هذه الشركات عينها التفاوض مع كل بلد تتعامل معه داخل الاتحاد الاوروبي على حدة، وهكذا تُستبدل مجموعة القواعدة الواحدة هذه بنحو 27 مجموعة تقريباً، هذا إن لم نأتِ على ذكر الرسوم. لا يشتري الاتحاد الأوروبي صادراتنا فحسب، بل تستثمر شركاته أيضاً في بلدنا وتقدم فرص العمل لمواطنينا، فتشير أحدث الأرقام إلى أن 46% من كامل الاستثمارات الأجنبية في بريطانيا تأتي من دول في الاتحاد الأوروبي، فتشكل المملكة المتحدة الوجهة الأولى للاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاتحاد الأوروبي.

تمثل الأموال الخارجية التي تصب في بريطانيا حبل إنقاذ لاقتصادنا، فإن انفصلنا عن الاتحاد الأوروبي، نخسر القدرة على بناء المصانع والمكاتب التي تمولها الأموال الأجنبية، ويأتي جزء من هذا التمويل، الذي يصب في الاقتصاد البريطاني، من الاتحاد الأوروبي نفسه، الذي يقدم التمويل لمناطق هي بأمس الحاجة إليه، فخلال السنوات الست التالية، تتوقع مناطق كورنوال، وويلز، والهايلاند الاسكتلندية، وأيرلندا الشمالية، وشمال إنكلترا الحصول على 8 مليارات جنيه إسترليني كمساعدات من الاتحاد الأوروبي، لكن هذه المساعدات ستزول إن أيدنا الانفصال. تدعم أموال الاتحاد الأوروبي أيضاً الجامعات للمساهمة في تطوير التكنولوجيا المستقبلية، فمن المفترض أن تحصل بريطانيا على 7 مليارات يورو من صندوق Horizon 2020 التابع للاتحاد الأوروبي، علماً أن هذا الاستثمار سيتوقف أيضاً إن خرجنا من الاتحاد الأوروبي، كذلك تتلقى شركاتنا الصغيرة والمتوسطة الحجم أموالاً من الاتحاد الأوروبي للقيام بأبحاث في مجال التكنولوجيا العليا تفوق ما تناله أي دولة أخرى، لكن هذا النبع المتدفق سيجف إن قررنا المضي قدماً وحدنا. مع أن بريطانيا تُعتبر خامس أكبر اقتصاد وطني في العالم، فثمة اقتصاد يهيمن عليها كلها، ويشكل هذا مجموعة من الاقتصادات الوطنية: اقتصاد الاتحاد الأوروبي نفسه، ولا شك أن هذه القوة الاقتصادية العظمى تسمح بالتفاوض للحصول على صفقات تجارية ممتازة وبالغة الأهمية لأعضائها، فعقد الاتحاد الأوروبي اتفاقات مع الولايات المتحدة، والصين، والهند، وكوريا الجنوبية، وجنوب إفريقيا، والمكسيك، وما كانت بريطانيا وحدها لتتمتع بالنفوذ الكافي للتوصل إلى صفقة مماثلة، لذلك ستعاني الشركات البريطانية.

علاوة على ذلك، يواصل الاتحاد الأوروبي سعيه إلى عقد اتفاقات جديدة، فتستمر المحادثات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي، وقد تبلغ قيمة هذه الشراكة وحدها بالنسبة إلى اقتصاد المملكة المتحدة أكثر من 10 مليارات جنيه إسترليني سنوياً. على نحو مماثل قد تبلغ قيمة اتفاق بين الاتحاد الأوروبي واليابان 13 مليار جنيه للمملكة المتحدة.

ولكن إن خرجنا من الاتحاد الأوروبي فعلينا أن نواجه المشاكل عينها التي تصادفنا اليوم، ولكن لن يعود بإمكاننا اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي طلباً للدعم، كذلك ستبقى مسألة الهجرة إحدى أكبر مشاكلنا، إلا أننا سنلاحظ فجأة أن الفرنسيين ما عادوا مستعدين للتعاون، وسيفتحون بدلاً من ذلك الطريقة أمام المهاجرين المتجهين إلى بريطانيا.

من المؤكد أن بعض الأوجه في بروكسل تثير جنوننا، ونأمل أن يتمكن رئيس الوزراء من إصلاحها خلال محادثاته مع رؤساء وزراء الاتحاد الأوروبي، ولكن من الضروري أن نركز على الصورة الكبرى، فقد ازدهرت بريطانيا كثيراً منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ومقارنة بالغموض والاضطرابات التي قد ترافق الخروج، يشكل هذا الواقع وحده سبباً كافياً للبقاء، وعلى قادة مجتمع الأعمال أن يأخذوا المبادرة، ويقيموا فوائد هذه العضوية، ويظهروها للناس بوضوح، فبهذه الطريقة يناضلون في سبيل مستقبل بريطانيا الاقتصادي.

* فيكتور بلانك

back to top