خط الدفاع التركي

نشر في 14-11-2015
آخر تحديث 14-11-2015 | 00:01
 عبداللطيف مال الله اليوسف خط الدفاع التركي الأول يبدأ بكركوك وديالى ونينوى، المحافظات العراقية التي ينوي الأكراد في شمال العراق ضمها إلى إقليمهم الذي حدده لهم صدام حسين، فاستغلوا حالتي الضعف والخور اللتين انتابتا الدولة العراقية بعد سقوطها عام 2003م، وبتواطؤ ممن مكنهم بول بريمر الحاكم الأميركي من اعتلاء سدة الحكم فيها، فعدلوا المادة 140 من الدستور العراقي التي حصرت إقليم كردستان بمحافظات أربيل ودهوك والسليمانية، بأن اضافوا عبارة "والأراضي المتنازع عليها" إلى هذه المادة، وهي تعطيهم حق اعتبار كل مكان يسكن فيه أكراد داخل الأراضي العراقية أراضي متنازعاً عليها، إذا ما أردوا ذلك، فتمكنوا بجرة قلم من حسم أي نزاع ينشب بينهم وبين باقي المكونات العراقية لصالحهم واعتبارها ضمن إقليم كردستان.

 إن سكوت الأتراك على عملية احتلال الأكراد لكركوك الغنية بالنفط غول الأكراد ومد في قامتهم درجة أودت بهيبة الآخرين، بمن فيهم الأتراك أنفسهم، وتصرفوا تصرف الواثق بنفسه، فأرسلوا قواتهم إلى عين العرب (كوباني) الواقعة داخل الأراضي السورية، ولكن عبر الأراضي التركية وبمباركة حكومتها، وإذ تمكنوا من صد قوات "داعش" فإنهم طوروا خطابهم واعتبروا هذه المدينة جزءاً محرراً من أرض الشعب الكردي إلى الحد الذي حدا بالسيد صالح مسلم (أحد زعماء الأكراد في سورية) لأن يصرح بأن الأكراد في سورية لن يخضعوا لحكومة مركزية في دمشق، متناغماً في تصريحه مع تصريح مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق، بأن الأكراد في عين العرب رعايا أكراد يسكنون في غرب إقليم كردستان (هكذا جاءت تصريحاته) وأنهم يتعرضون للاضطهاد في إشارة واضحة إلى نواياهم باعتبار عين العرب جزءاً من إقليم كردستان الكبير. هذه الأقوال وما تلاها من أفعال على الأرض حمَلت حزب العمال الكردستاني، الذي يقوده عبدالله أوجلان، على تكثيف هجماته ضد تركيا واحتماء مقاتليه بمواقعهم الجبلية في كردستان العراق، وهو تصرف يثير التساؤل عن مدى فشل قوات البرزاني في رصدهم ومنعهم الدخول إلى الإقليم، وهو الذي يمتلك من القوة ما يمكنه من دحر هجمات داعش على الأرض السورية، ولذلك فعندما يعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية أن روسيا تعتزم فتح مكتب للأكراد السوريين فيها، فإن هذا الإعلان يجب ألا يغضب الأتراك لأن هذه إحدى نتائج وازرتهم في سورية التي أعقبت وازرتهم بالسكوت على احتلال البرزاني لكركوك العراقية.

تركيا تمثل الجناح الجنوبي الشرقي لحلف شمال الأطلسي الذي تم تأسيسه عام 1949م لمواجهة خطر المد الشيوعي المتمثل بالاتحاد السوفياتي السابق، وجيشها يعتبر من أكبر جيوش هذا الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة، وقد لعبت دوراً رائداً في خمسينيات القرن الماضي عندما غدت عضواً بارزاً في حلف بغداد الذي تأسس عام 1955م، والذي أكمل الطوق الذي فرضه الغرب حول الاتحاد السوفياتي، وهي لاتزال ركيزة قوية للولايات المتحدة، لكن شأنها شأن عشاق أميركا كلما هاموا صبابة بها أمعنت في صدها لهم، فأكراد العراق لايزالون يتلقون الأسلحة الثقيلة من الولايات المتحدة بحجة محاربتهم داعش، وهي تعلم علم اليقين أنهم يخططون لسلخ أجزاء من تركيا بعد الانتهاء من ضم ما هم بصدده من الأراضي العراقية، فكأنها بهذا العمل تستبدل الأكراد بأهم حليفين لها في المنطقة على مدى سبعين عاماً، تركيا والعراق، في حين أن إيران التي شتمت وخاصمت حصلت على كل ما أرادت.

محافظة نينوى لا تقل أهمية عن كركوك، بل تبزها قدراً وأهمية لكبر مساحتها ومجاورتها لمحافظتي أربيل ودهوك، ولأنها تضم تجمعات سكانية كردية في أقضيتها شيخان وتل كيف والحمدانية وسنجار، ولعل هذه الأقضية هي السبب في حرص الأكراد على التعديل الذي أجروه على المادة 140 من الدستور العراقي، فضم هذه الأقضية إلى إقليم كردستان يكمل الطوق الكردي لقضاء عقره الواقع شمال شرق نينوى، والذي سيسقط كمحصلة نهائية لهذا الضم، كما أن قضاء تلعفر هو الآخر يقع بين محافظة دهوك وقضاء تل كيف وقضاء سنجار الذي يضم أكرادا من الأيزيديين، مما يعني أن سقوط قضاء تلعفر نتيجة حتمية لضم قضاء سنجار، حينئذ ستلتئم الجغرافية الكردية ويصبح امتداد الأرض بلا عوائق من ديالى وسط شرق العراق حتى أربيل ودهوك شمال شرق العراق، ومن هناك يمد الأكراد أبصارهم تجاه المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا، أو قل إن أكراد دياربكر التركية سيزحفون القهقرى عبر طمان وشيرناك ثم جبال طوروس فمنطقة هكاري التركية تجاه أربيل ودهوك لتلتئم الجغرافية الكردية مجدداً وليتواصل امتداد الأرض بلا عوائق. إن تركيا يقع عليها عبء عدم تفسخ سورية والعراق بانفصال الأكراد فيهما عنهما، إذ إن هاتين الدولتين في أوضاع بنيوية لا تسمح لحكومتيهما بالحفاظ على وحدة أراضيهما، وإن وحدة الأراضي التركية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوحدة ما جاورها من كيانات سياسية، ولكنها متعددة الإثنيات والأعراق، كما أن ممالأة البرزاني ومناوأة الطالباني لن تنعكسا إيجاباً على تركيا حليفة الأول، ولا سلباً على إيران حليفة الثاني، ولكنها ستنعكس إيجابا على الأكراد في سورية وتركيا والعراق.

back to top