كيف صدّر «داعش» إرهابه إلى أفغانستان؟

تنظيم «داعش» وصل إلى أفغانستان ليحل محل طالبان في عدد من المقاطعات على الجانب الأفغاني من حدود محافظة نانجارهار، متغلغلاً بين السكان المحليين وقامعاً المعارضة بالوحشية ذاتها كما في سورية والعراق.

نشر في 28-12-2015
آخر تحديث 28-12-2015 | 00:01
 نيو ستاتسمان تعود الحرب في أفغانستان إلى 36 سنة مضت، وبما أن معظم الأفغانيين لا يعرفون السلام، فإن حياتهم تدور وسط الصراع وحوله.

صحيح أن الحياة في هذا البلد لم تتبدل، إلا أن أمراً جديداً طرأ بين تلك التلال المتعاقبة المحاذية لمساحات خضراء تغطيها الغابات، وتليها تلك المناطق المنخفضة القاتمة في مقاطعة أشين، التي تنتهي بجبال تكلل قممها الثلوج، وتسم الحدود الفاصلة بين أفغانستان وباكستان، ففي ظلال هذه الأودية وصل نوع جديد من الرعب.

وصل تنظيم "داعش" إلى أفغانستان ليحل محل طالبان في عدد من المقاطعات على الجانب الأفغاني من حدود محافظة نانجارهار، متغلغلاً بين السكان المحليين وقامعاً المعارضة بالوحشية ذاتها كما في سورية والعراق، فمنذ فصل الصيف هرب أكثر من 17 ألف عائلة من هذا الفصل الجديد من العنف في الصراع الأفغاني، وقد انتقلت هذه العائلات إلى مخيمات مستحدثة حول جلال أباد.

يذكر حاجي لال بور، مزارع أفغاني نجا من الأسر في أحد سجون "داعش" المستحدثة: "عملوا على إخافتنا ونجحوا". أخبرني هذا المزارع أن الأصفاد ما كانت تُنزع عن يديه وأيدي زملائه المحتجزين في كهف، إلا ليقودهم مقاتلو "داعش" إلى الخارج، حيث كانوا يرغمونهم على مشاهدة عمليات قطع رؤوس رجال يختارونهم من بينهم أو تعذيب آخرين كانوا يربطونهم بحبال، وينزلونهم ورأسهم نحو الأسفل في براميل ماء، كذلك سرد لي أفغان آخرون روايات مفصلة عن رؤيتهم بأم العين رؤوس رجال شرطة وأعضاء من طالبان معروضة خارج آلية لـ"داعش" بعد أن عُلقت على بنادق رشاشة أو مكدسة في قدور الطهو خارج بوابات السجون.

يأتي تقدم فرع "داعش" في أفغانستان، الذي يُعرف بولاية خراسان، وسط الحقبة الأكثر دموية من هذه الحرب منذ الإطاحة بطالبان عام 2001، فبعد سنة واحدة من تسليم قوات المساعدة الدولية لإرساء السلام في أفغانستان التابعة لحلف شمال الأطلسي مسؤولية حفظ أمن البلد إلى الجنود الأفغان، يموت الجنود ورجال الشرطة في البلد بمعدل 500 شهرياً.

رغم الانتصارات في ساحة القتال في قندوز وهلمند، باتت حركة طالبان مقسمة بطريقة تسرّع على ما يبدو انتشار العنف، بدل أن تحد منه، فقد ابتُليت هذه المجموعة بالاقتتال الداخلي على القيادة بعد إعلان وفاة الملا عمر في شهر يوليو الماضي، وما يزيد هذه الحركة تفككاً احتمال تجدد المفاوضات مع الحكومة الأفغانية.

شكلت معمعة القتل والشقاق هذه أرضاً خصبة أزهر فيها "داعش"، مما سمح له باستقطاب أعضاء طالبان المستائين بغية تعزيز صفوفه. في البداية تنبه أفغان قليلون لحقيقة الغرباء في وسطهم، وبدأ الوافدون الجدد، رجال قبائل الأوراكزاي من باكستان، بالوصول مع عائلاتهم في أواخر فصل الخريف، طالبين من الأفغان الاحتماء في القرى الجبلية في مقاطعات نانجارهار الجنوبية، فقد أرادوا الاختباء من العمليات العسكرية الباكستانية في المناطق القبلية.

يخبر حاجي لال بور: "يصلّون بطريقة مختلفة عنا، ولا تشبه عاداتهم عاداتنا، لكنهم بدوا ودودين ولم يتدخلوا في شؤوننا".

ولكن في فصل الربيع، وصلت مجموعة جديدة، كانت تتألف من أعضاء سابقين لطالبان باكستان، وقد أعلنت ولاءها لـ"داعش"، كانت مدججة بالسلاح وتملك معدات ثقيلة، فانضم إليها الأوراكزاي الذين كانوا قد انتقلوا إلى أفغانستان، فقضوا على طالبان أفغانستان في مناطق نانجارهار المحاذية للحدود الباكستانية، ثم نزلت هذه المجموعة إلى الأرض المنخفضة، حيث اصطدمت بالجنود ورجال الشرطة.

تباطأت الحكومة الأفغانية في الرد لأنها ما كانت واثقة مما عليها مواجهته، وقد شاركها الدبلوماسيون الأجانب في البداية هذه الشكوك، ولكن مع تقدم الصيف وفرض الوافدين الجدد سيطرتهم على مناطقهم، مصدرين الأوامر باسم "داعش" وواضعين أيديهم على المساجد المحلية، تبددت أي شكوك حيال هوية هذه المجموعة الحقيقية. أخبرني دبلوماسي في كابول: "إن كان شكلها شكل بطة وصوتها صوت بطة فهي إذاً بطة. نعم، وصل داعش إلى أفغانستان".

في شهر يوليو، حدّث القادة الأميركيون في أفغانستان تقييمهم لتطور "داعش" في هذا البلد من "أولي" إلى "ناشئ". وفي شهر سبتمبر أشار تقرير نشرته الأمم المتحدة إلى أن ولاية خراسان، التي تشكلت من 70 مقاتلاً قدموا من سوريا والعراق، لتجند الأتباع في 25 محافظة من محافظات أفغانستان الأربع والثلاثين.

يشير المقاتلون الأكثر تفاؤلاً إلى اختلافات كثيرة بين الحرب في أفغانستان والصراع في سورية والعراق، مستخلصين أن "داعش" سيواجه صعوبة كبيرة في بسط سيطرته في بلد يفتقر إلى الكراهية الطائفية كما في الشرق الأوسط، وبات وجود مجموعات طالبان فيه متأصلاً بعمق في المجتمعات المحلية، ورغم ذلك تنبئ التقارير في الثاني من ديسمبر بما يسوء الحكومة في كابول وداعش على حد سواء، لا سيما بعد إصابة قائد طالبان الجديد الملا أختر منصور في تبادل لإطلاق النار مع مجموعة منافسة من طالبان أعلنت على ما يبدو ولاءها لـ"داعش".

يقول حاجي لال بور: "ما كنا نحب طالبان كثيراً في قريتي، لكنهم كانوا أفغاناً على الأقل، وكنا نستطيع التفاهم معهم، ولكن مع قدوم داعش اليوم نفتقد طالبان".

* أنتوني لويد

back to top