بين صوت الناعي وصوت البشير في رحيل الأخ خالد عبدالله الزير

نشر في 03-05-2016
آخر تحديث 03-05-2016 | 00:01
 د. عباس يوسف الحداد قال المعري في رثاء أحد فقهاء الحنفية:

غَيْرُ مُجْدٍ في مِلّتي واعْتِقـــادي       نَوْحُ بـــاكٍ ولا تَرَنّمُ شـــــادِ

وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعيّ إذا قِيــــــــــــــــــــــسَ بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ

المرء يولد من رحم الموت وساعة ميلاده تحمل ساعة فوته، والمسافة بين الميلاد والموت مسافة مُقَدّرة من لدُن عزيز حكيم، نأتي الأرض لنعبد الله على علم ووعي بأن الحياة الدنيا دار قُلْعةٍ– كما يطلق عليها أبوالعتاهية– أي دار انطلاق وليست دار استقرار، دار يكسب المرء فيها من عمله الصالح ومعاملته المستقيمة ما يُرقيه ويجعله يركب طبقا عن طبق حتى ينطلق انطلاقة من خفت أوزاره، وثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون.

وعلى الرغم من علمي بذلك فإنني فُجعت بنبأ وفاة أخي خالد عبدالله الزير (1954– 2016) أبوبدر ضحى يوم الجمعة 14 من رجب 1437هــ الموافق 22 أبريل 2016، إذ كنت لحظة انتقاله إلى جوار ربه تحملني طائرة الخطوط الجوية الكويتية إلى فرانكفورت لتلقي العلاج، وربما كان في حين إقلاع الطائرة من المطار فاضت روحه الطاهرة رحمة الله عليه، ولم أعلم بالنبأ إلا بعد وصولي إلى فرانكفورت وتواصلي مع الإخوة لأجد أخي الدكتور جعفر الحداد ينعى نسيبه ويترحم على فراقه المفاجئ.

لم يكن يعاني مرضاً ولا يشتكي من ألم، وكان قد ارتدى ملابسه واستعد للتوجه لأداء صلاة الجمعة في المسجد، وعلى السرير جلس فسقط منه لتتلقفه يد العزيز الرحيم وتجعله يصلي جُمعته في ملأ أكبر وفي جمع أعظم، إذ يبعث المرء على ما مات عليه، وقد مات متوضأ متجها لأداء صلاة الجمعة في منتصف شهر رجب الأصم، رجب شهر الله، آخر الأشهر الحرم– إذا بدأنا بذي القعدة– وفيه تضاعف الحسنات.

 وهكذا كان- رحمه الله- سمح المعاملة، دمث الأخلاق، مبتسم المحيا، يلقاك مرحبا ومهللا ويغادرك داعيا ومكبرا، تحمّل ما وقع عليه من ظلم أثناء عمله وكيلا في وزارة الأوقاف، فخرج منها مرفوع الرأس بكبرياء الرجال غير عابئ بالمناصب، لأنه يعلم أن له عند ربه نصيبا أكبر ومستقرا أعظم.

فرحمة الله عليك يا أبابدر يوم ولدت ويوم توفيت ويوم تبعث حيا من رحم الحقيقة.

وما زلت أردد ما يقول المعري في أن الموت هو انتقال من دار إلى دار:

خُلِقَ النّاسُ للبَقَاءِ فضَلّتْ       أُمّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ للنّفادِ

إنّما يُنْقَلُونَ مِنْ دارِ أعْمــــــــــالٍ إلى دارِ شِقْوَةٍ أو رَشَادِ

فإلى دار الرشاد بإذن الله تعالى يا أبابدر وإلى لقاء في الله ليس ببعيد.

back to top