عقول وطبول!

نشر في 21-03-2015
آخر تحديث 21-03-2015 | 00:01
 حسين الشطي "حتى في الموسيقى، الطبلُ أعلى صوتاً من القانون"، هذا ما ذكره الدكتور نازك رحباني في إشارة صريحة وواضحة إلى مجموعة من علامات الاستفهام حول من لم يعمل العقل ويستضيء بنوره حتى صار حجة عليه لا له، أولئك الذين لا يملكون زمانهم ولا يعملون عقولاً وهبهم الله إياها تعظيماً لشأنهم عن سائر المخلوقات وتكريماً لمكانتهم وارتقاءً ورفعة عن لغة البهائم التي أصبح أبناء جلدتنا اليوم يتقنونها إلى حد كبير!

فما أكثر "الطبول" وما أندر "العقول" التي هي أعدل الأشياء توزيعاً بين الناس، فتجد كل فرد يعتقد أنه قد أوتي منه الكفاية، فالعقل منبع العلم وهو الذي يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة، والنور من الشمس، والرؤية من العين، وبه يبتعد الإنسان بهمته عن غيره ممن تخلفوا عن ركب أصحاب الألباب ليصل، بتلك الهمة إلى ترجمة رسالته في هذه الحياة، وهي التي تعكس مبادئه وقيمه، وبها يقود حياته إلى ترك بصمة وغرس أثر.

لا قرين أزين من العقل، ولن تجد دعامة للعقل أعلى قيمةً من امتلاك رسالة في هذه الحياة تؤديها بإتقان وعزيمة متسلحاً بالتخطيط والإبداع الذي لا يأتي إلّا من خلال الشغف بالمعرفة والغوص في مبررات الأمور، والسؤال دائماً "لماذا"، لابد من التفكير بطرق مختلفة حتى لا تكون "طبلاً" وتقليدياً نمطياً يثنيه استخفاف الآخرين وتثبيطهم وسخريتهم عن استثمار عقله واستعراض رسالته وطرحها على أرض الواقع، وغالباً ما تجد هذه الفئة من الناس يسقطون في أول اختبار للثبات على القيم، فيفقد الثقة بنفسه ورسالته التي ربما حتى لم يبذل جهداً نحو بنائها.

نعم يتأثر العقل بما يصدمه، فهو لا يكلف بما لا يطيق، والعاقل لا يغتر بالمرتقى السهل إذا كان المنحدر وعراً ، لذلك يجب أن ندرك أن العقل لا يُشترى بالمال، وهو ثروة عظيمة إذا ما تم استخدامه بالشكل الأمثل مع مراعاة الأدب والخلق، فهو بدونها كالشجاع بلا سلاح، وشر العقول من نقض بعضه بعضاً فصار في عشية أو ضحاها "طبلاً" يحركه الهوى نحو شهواته.

لذا كان لزاماً علينا ووجوباً بناء العقل بالأفكار كما ينمو الجسد بالغذاء، وذلك عن طريق تمرين العقل كما هي عضلات الجسد، وبريه باستمرار كما هي حال حد القلم، وإلّا تحول العقل طبلاً، وقد قيل "كفاك من عقلك ما أوضح سبل غيك من رشدك".

back to top