لماذا تتجسس الولايات المتحدة على ألمانيا؟

نشر في 17-07-2014
آخر تحديث 17-07-2014 | 00:01
 فيسكال تايمز بعد أيام على طرد رئيس فرع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من برلين، ردت الولايات المتحدة على الاتهامات القائلة إن مسؤولَين ألمانيَّين كانا يتجسسان لمصلحتها، فلم يؤكد المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إيرنست، أو ينفي التقارير التي كشفت عنها وسائل الإعلام الألمانية هذا الأسبوع بشأن التجسس الأميركي، لكنه رد على طريقة الطرد العلنية لجاسوس أميركي بارز في برلين.

قال إرنست في نهاية الأسبوع الماضي: "يفهم الحلفاء الذين يملكون وكالات استخبارات مثل الولايات المتحدة وألمانيا، بدرجة معينة من التفاصيل، ما يترتب على تلك العلاقات والنشاطات الاستخبارية، أي خلافات بيننا يمكن حلّها بفاعلية عبر قنوات خاصة وليس في وسائل الإعلام".

في غضون ذلك، بدأ المسؤولون الألمان في برلين يسحبون تصريحاتهم الغاضبة التي أطلقوها في وقت سابق من الأسبوع، حين كُشفت عملية التجسس، فقال وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتاينماير، الذي سيقابل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في نهاية هذا الأسبوع، إن الطرفين يجب أن "يجددا صداقتهما على أساس الصدق والصراحة"، كذلك خفف المتحدث باسم أنجيلا ميركل، شتيفن زايبرت، نبرة الخطاب الألماني.

قال زايبرت إن "الصداقة الألمانية الأميركية هي أكبر وأعمق من التعاون الضيق بين أجهزتنا الاستخبارية"، مضيفاً أن الاتفاقية التجارية التي أصبحت قيد التفاوض راهناً بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا تزال على رأس أولويات برلين، ثم أضاف: "لا يزال هذا المشروع مهماً جداً بالنسبة إلى الحكومة الفدرالية".

جاءت أحدث الاكتشافات عن التجسس، إلى جانب الكشف في السنة الماضية عن إقدام وكالة الأمن القومي الأميركية على استهداف هاتف ميركل الخليوي، لتغرق العلاقات الألمانية الأميركية إلى أدنى مستوياتها منذ عقد من الزمن، وبلغ سخط الرأي العام الألماني من التجسس الأميركي ذروته، ولولا التهاء وسائل الإعلام بمشاركة المنتخب الألماني في نهائي كأس العالم لزاد الوضع سوءاً.

حلفاء في مجال مختلف

وسط الجدل القائم حول التجسس الأميركي على الأهداف الألمانية، لم يناقش أحد ما إذا كان ذلك التجسس مبرراً أصلاً، فألمانيا هي دولة حليفة لكن غالباً ما تختلف السياسة الخارجية الألمانية مع الولايات المتحدة في عدد من المسائل الجوهرية. على سبيل المثال تتمتع ألمانيا وروسيا بعلاقة وثيقة، على المستويين السياسي والاقتصادي معاً، وتُعتبر ميركل بشكل عام زعيمة العالم الأقرب إلى فلاديمير بوتين، ذلك الرجل المصمم على جعل روسيا معادية للولايات المتحدة، وغالباً ما تلعب دور الوساطة بين قادة الغرب.

لكن تبدو العلاقة الاقتصادية أعمق من ذلك، إذ حاولت ألمانيا تنويع الاقتصاد الروسي عبر إقناع موسكو بالانخراط في قطاع تصنيع السيارات لكنها فشلت في مساعيها، وتتوقف نحو 300 ألف وظيفة ألمانية على الروابط الاقتصادية مع روسيا، ويتدفق 105 مليارات دولار تقريباً بين البلدين كل سنة.

لكن تتعلق العلاقة الاقتصادية الأهم بين موسكو وبرلين بالغاز، حتى الآن، يُعتبر المستشار الألماني السابق غيرهارد شرويدر بطل مشروع خط أنابيب "نورد ستريم" الذي يعبر أوروبا الشرقية مروراً ببحر البلطيق لتسليم الغاز مباشرةً من روسيا إلى ألمانيا (يجمع شرويدر ثروته راهناً من منصبه كرئيس لمجلس "نورد ستريم")، كذلك قام شرويدر بدعم بوتين حين ضم شبه جزيرة القرم إلى بلده، وكان شرويدر بدوره ناقداً لاذعاً لغزو العراق، فقد شكّك علناً بأداء واشنطن على الساحة الدولية وشجّع الرأي العام الألماني على الاحتجاج.

لم يكن السياسيون الألمان السابقون الأشخاص الوحيدين الذين اختلفوا علناً مع واشنطن، ففي عام 2011 امتنعت ميركل عن التصويت في مجلس الأمن على قرار يدعو إلى تحرك عسكري لردع معمر القذافي، إذ أثار هذا القرار إدانة واسعة من المجتمع الدولي.

كل من يتابع مسار السياسة الألمانية لن يفاجأ من ذلك التصرف، فترتكز السياسة الألمانية على النزعة البراغماتية لا الأخلاقية، كذلك، تعارض أغلبية الرأي العام التورط في الأزمات الدولية، واتّضح هذا الأمر خلال أزمة أوكرانيا، فبيما دعا معظم حلفاء الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على بوتين وأوساطه الداخلية، اعترضت ألمانيا، وكان يمكن أن تفرض ميركل ضغوطاً اقتصادية لإنهاء المواجهة في أيامها الأولى لكنها اختارت الانتظار.

جواسيس مثلنا

تملك ألمانيا بدورها جهازاً ناشطاً لجمع المعلومات الاستخبارية الخارجية، ويجمع جهاز الاستخبارات الفدرالية بكل فاعلية المعلومات الاستخبارية من أنحاء العالم، حتى من حلفاء ألمانيا، ووفق كتيّب "تهديد الاستخبارات الأمنية" الصادر من مجلس الأمن القومي، يطبّق جهاز الاستخبارات الفدرالية الألماني برنامجاً اسمه "مشروع راهاب"، وهو يجمع المعلومات الاستخبارية المهمة.

وجدت وكالة الأمن القومي أن "جهاز الاستخبارات الفدرالي الألماني أسس منشأة سرية للاستخبارات المحوسبة خارج فرانكفورت، وهي تهدف إلى السماح للضباط الاستخباريين باختراق شبكات وقواعد البيانات من مختلف بلدان العالم، ويُقال إن هذا البرنامج المعروف باسم "مشروع راهاب" اخترق حواسيب في روسيا والولايات المتحدة واليابان وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة".

ديفيد فرانسيس David Francis

back to top