واشنطن تتمتع بالموقف الأقوى في المفاوضات النووية لا إيران

نشر في 11-11-2013
آخر تحديث 11-11-2013 | 00:01
إذا تفحصنا الوضع بدقة أكبر، نلاحظ أن الجمهورية الإسلامية توصلت إلى إجماع داخلي. فتديرها اليوم حكومة وحدة وطنية. أما الانقسامات التي سرى الاعتقاد تاريخياً أنها تكبل هذه الثيوقراطية، فقد وُضعت جانباً.
 سي إف آر تبدو جمهورية إيران الإسلامية في الظاهر دولة مستبدة بغيضة لا تستحق الدعم، فكم بالأحرى الثناء؟ ولا شك في أن نظاماً تورط بعمق في الحرب الأهلية السورية وتبنى الإرهاب كأداة للحكم سيواجه صعوبة كبيرة في عرض قضيته أمام المجتمع الدولي. إلا أن إيران حققت بعض النجاح في فرض روايتها على المفاوضات التي يجريها مسؤولون إيرانيون مع أمم غربية بشأن البرنامج النووي الإيراني. فتطالب هذه الدولة الثيوقراطية بالإقرار "بحقها في التخصيب" مسبقاً وبتناسي انتهاكاتها النووية الماضية. لكن دبلوماسية الدول الكبرى لن تُقيم وفق الصيغ الذكية التي تبتكرها هذه الدول للتعاطي مع "خطوط إيران الحمراء"، بل وفق قدرتها على إبعاد طهران عن مواقفها المتطرفة.

نجح الرئيس الإيراني حسن روحاني في تأكيد مفهوم أنه يتعرض لضغط من المتشددين في الداخل، وأن إخفاق القوى الكبرى في الاستثمار في رئاسته سينهي مرحلة الاعتدال في إيران. فماذا ستكون تداعيات ذلك؟ الوقت بالغ الأهمية، ويجب ألا يفوت الغرب فرصة التعامل مع سياسيين عمليين يسعون إلى تحقيق إنجاز في مجال ضبط الأسلحة الإيرانية.

ولكن إذا تفحصنا الوضع بدقة أكبر، نلاحظ أن الجمهورية الإسلامية توصلت إلى إجماع داخلي. فتديرها اليوم حكومة وحدة وطنية. أما الانقسامات التي سرى الاعتقاد تاريخياً أنها تكبل هذه الثيوقراطية، فقد وُضعت جانباً.

يعتبر القائد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي أن الهدف الأهم استمرار النظام وحفاظه على طابعه العقائدي. يجيد خامنئي قراءة التاريخ بذكاء، وهو يرى أن الانشقاق بين النخب قد يغذي الاستياء الشعبي ويهدد النظام. فلم تؤد الانتخابات الرئاسية المزورة عام 2009 إلى أزمة شرعية فحسب، بل أيضاً إلى شرخ كبير في نخبة النظام. وبموافقته على انتخاب روحاني، نجح خامنئي في إعادة مقدار من المسؤولية إلى النظام، وأرجع بعض من كوادره المستاءة إلى معسكره. نظراً إلى هذه الحسابات المحلية، لا تعتمد حظوظ روحاني بالضرورة على نجاح سياسته لضبط الأسلحة الإيرانية. فيأمل خامنئي بكل وضوح أن ينجح رئيسه الجديد في التخفيف من الضغوط الاقتصادية الإيرانية. أما مفهوم أن روحاني سيُزال من منصبه إن لم يتمكن من الحصول في الحال على تنازلات من الغرب، فغير صحيح. إذا أرادت القوى الغربية إنجاح جهودها الدبلوماسية، فعليها أن تتخلى عن الشعور بالإلحاح النووي الذي يحيط عادة بهذه المسألة. يشير تقييم الحكومة الأميركية إلى أن الحكومة الإيرانية مازالت تحتاج إلى سنة لتطور القنبلة. وتشمل هذه السنة الوقت الضروري لتخصيب اليورانيوم إلى نسب يمكن استخدامها في الأسلحة، فضلاً عن جمع جهاز نووي. لكن هذا الجدول الزمني سيفرض على إيران تحويل مواد من منشآت تخضع للمراقبة. ولا شك في أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستكتشف عملاً مماثلاً بسرعة، ما قد يؤدي إلى رد فعل دولي. نتيجة لذلك، لا تُعتبر سنة 2014 مميزة. فالوقت إلى جانب الولايات المتحدة لا إيران، حيث تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءاً يوماً بعد آخر.

تشمل القضايا الأخرى التي تمنح الولايات المتحدة الأفضلية زيارة روحاني إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقد أخطأت الولايات المتحدة والمسؤولون الإيرانيون على حد سواء برفع التوقعات خلال شهر سبتمبر والترويج في وسائل الإعلام لاحتمال تحقيق تقدم تاريخي بين هذين الخصمين القديمين. فقد أساءت هذه التوقعات المرتفعة إلى إيران، لا الولايات المتحدة، لأن الشعب الإيراني، الذي يعاني الضغوط، صار يتوقع فجأة تحسناً مالياً وشيكاً. وإذا لم تفضِ المفاوضات إلى اتفاق في الوقت المناسب، فسيواجه خامنئي، لا الرئيس أوباما، الغضب الشعبي. ولا شك في أن الشعب المحرومَ من حقوقه والواقع في ضائقة مالية سيتحول إلى مشكلة سياسية متفجرة بالنسبة إلى خامنئي. إذن، يجب ألا تخاف القوى الغربية من تعليق المفاوضات أو التخلي عنها، في حال تمسك الإيرانيون بعنادهم. فالمفارقة تكمن في أن تعطل المفاوضات سيزيد على الأرجح الضغط على إيران لتقدم عدداً أكبر من التنازلات.

خلال العقد الماضي، أسكتت إدارتان أميركيتان منتقديهما بصوغهما بنية عقوبات مذهلة ونجاحهما في إدارة نظام تحالف صعب. ومن الأهمية بمكان تقييم الجمهورية الإسلامية بدقة: قوة من الدرجة الثانية تملك برنامجاً نووياً من الدرجة الثالثة. يرأس خامنئي حكومة يكرهها ناخبوها ولا يثق بها جيرانها. كذلك قدمت العقوبات الأميركية لدبلوماسييها نفوذاً كبيراً. وهكذا تكون واشنطن في وضع يسمح لها بالمطالبة بالاتفاق النووي الأكثر تشدداً. ويجب ألا تولي اهتماماً كبيراً للخطوط الحمراء التي تتحدث عنها إيران غالباً. إذن، صار بإمكاننا التوصل إلى اتفاق لا يمنحنا الوقت فحسب، بل يمنع إيران أيضاً بشكل نهائي من إعادة بناء طموحاتها النووية العسكرية. ومع الصبر والحزم، مازال بإمكاننا تحقيق نصر دبلوماسي كبير.

* راي تاكيه | Ray Takeyh

back to top