أزمة العالم الإسلامي

نشر في 09-08-2014
آخر تحديث 09-08-2014 | 00:01
 د. نجوى الشافعي أليس غريباً ومستهجناً في نفس الوقت أن تشهد منطقتنا العربية الإسلامية هذه الأزمة الأخلاقية والاجتماعية والسياسية الحادة تزامناً مع ما يسمى بالصحوة الإسلامية أو مد الوعي الديني الذي بدأ في الربع الأخير من القرن العشرين، وامتد إلى القرن الحادي والعشرين؟ أليس غريباً ومستهجناً أيضاً أن تعاني المنطقة بأسرها هذه الأزمة الثقافية والفكرية بل النفسية، وقد انتشر فيها الحجاب والنقاب وزادت مظاهر التمسك بالهوية الإسلامية عبر البلاد شرقا وغربا؟ من يمعن النظر في هذا التناقض البين الواضح يخلص إلى عدة ملاحظات قد لا تصح وقد تصيب الهدف.  إن هذه الصحوة الدينية لم يكن لها قاعدة عريضة من التعليم الصحيح الذي يزيل ظلام العقول وينير البصيرة أو الثقافة العامة الجيدة والإدراك الواعي بالمعاني الإنسانية والمفاهيم الراقية، بل انتشر هذا المد من خلال طبقات متراكمة من الأمية والتخلف والقصور الثقافي والفني؛ فنسبة الأمية اللغوية في العالم العربي ما زالت عند الأربعينيات، وأما عن الأمية الثقافية فحدث ولا حرج، فنحن بكل أسف شعوب لا تقرأ، وقد هجر كثير من الشباب الكتاب، واستعاضوا عنه بوسائل التواصل الاجتماعي التي لا تعمق فكراً ولا تنشر ثقافة حقيقية واعية؛ ومن اللافت للنظر أن الجماعات التي حملت عبء الدعوة والعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله لم تهتم بمشكلة الأمية إطلاقا ولم تنزعج منها انزعاجها من تعليم المرأة وعملها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... إلخ،

من القضايا الخطيرة من وجهة نظرهم.

 ولم تحاول هذه الجماعات على اختلاف أنواعها وتوجهاتها أن تحشد أي جهد لمحو عار الأمية عن الأمة الإسلامية ذلك العار الذي يندى له جبين البشرية في القرن الحادي والعشرين ولم يقف العجز عند هذا الحد بل امتد ليشمل إهمال الثقافات الأخرى، ووصلت الغفلة إلى حد تحريم التواصل مع ثقافات ولغات الشعوب الأخرى أو محاولة الاقتراب من الآخر الأجنبي تحت أي مسمى حتى لو كان من باب "اعرف عدوك"؛ مما دعا جموع التابعين لهذه الجماعات، وقد تزينت بالأمية إلى العزوف عن كل ما يجدد الفكر وينير العقل ويهذب النفس ويرقى بالذوق امتثالا لأحاديث الشيوخ والدعاة المتشددين الذين اكتظت بهم ساحات الدعوة في السنوات الأخيرة، خاصة قبل ما يسمى بثورات الربيع العربي؛ مما أفرز أجيالا ضحلة الثقافة والمعرفة ذات تفكير سطحي غرائزي يسلط الضوء على المرأة ودورها في إثارة الشهوة على حد قول شيوخ وأقطاب الدعوة السلفية؛ أجيالا عزلت عن الفكر والمناعة المجتمعية ضد أمراض العصر ذي الأخطبوط الإعلامي والتواصل الإنساني الضخم، فكان هذا الخلل وهذه الظواهر السلبية المتكررة من الانفلات الأخلاقي بدءا من سلبية التعامل مع كل شيء، وانتهاء بالتحرش الجماعي.

ثمة شيء آخر انشغل به العمل الدعوي الإسلامي وهو التركيز على المظاهر دون الجوهر، فارتداء الحجاب والنقاب وإطلاق اللحى لا يصنع الفضيلة إنما بناء العقول والعقيدة، وتهذيب النفوس وتحفيز الضمير هو ما يزرعها في المجتمعات ويضمن بقاءها، ولكن النشاط الدعوي لم يهتم بهذه الأمور اهتمامه بالمظاهر التي توحي بأسلمة المجتمع مما يجعل رجال الدعوة يشعرون بأريحية شديدة، وغرور إنساني بأنهم ما يتبعون إلا حقاً، وأن دعوتهم قد صحت وحلمهم في إسلام يمشي على الأرض تحقق دون سعي جاد إلى ربط الالتزام الخارجي بالنقاء الداخلي، والعفة الحقيقية بدعوتهم لله ورسوله؛ مما أدى إلى ظهور سلوكيات منكرة ممن يلتزمون بالشكل الخارجي للمسلم والمسلمة وتسليط الأضواء على هذا التناقض بين المظهر والسلوك، والشعور بأن المجتمع إنما في أزمة حقيقية.

وساعد في تفاقم الأزمة اهتمام كثير من الجماعات الدينية بالعمل السياسي وخلط الأوراق في سابقة ليست جديدة ولكنها خطيرة بلغة العصر، إذ اهتمت هذه الجماعات بالتمكين السياسي من خلال الدعم المادي المباشر وغير المباشر الذي كانت تقدمه إلى جموع الشعب المعوزة، مستغلة في ذلك حاجتهم والوازع الديني الفطري الموجود لدى قطاع كبير من هذه الجموع، رافعة تارة شعار الإسلام هو الحل، وتارة أخرى شعار تطبيق الشريعة دون فهم حقيقي حضاري واع مستنير لهذه الشعارات، وسلمت هذه الجماهير عقولها وقلوبها إلى هذه الجماعات، واستنامت دون محاولة جادة مخلصة منها للسعى والعمل لتطوير مفاهيمها وتبعية سلوكياتها.

back to top