الكتابة الإبداعية والجامعة الأميركية في الكويت

نشر في 04-06-2014
آخر تحديث 04-06-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي منذ ما يزيد على سبعة عقود، باتت بعض الجامعات في أميركا وأوروبا تنظر إلى «الكتابة الإبداعية» ليس بوصفها تعبيراً عن مشاعر وأحاسيس وموقف من قضايا الحياة يُكتب بأسلوب ممتع وشيق، لكن بوصفها علما، كالفيزياء والرياضيات والكيمياء، له أساسياته وقواعده وأسراره، ولابدَّ لمن يريد السير على دربه أن يدرس تلك المفاهيم ويلمّ بها، ويجتاز امتحاناتها، وفق مناهج دراسية، وعدد من الوحدات الملزمة التي تمكنه من الحصول على شهادة «ماجستير» أو دكتوراه في مادة «الكتابة الإبداعية».

عشت تجربة حية عام 2012، حين كنت أستاذاً زائراً مشاركاً في برنامج «الكتابة الإبداعية العالمي-International Writing Program» في جامعة «أيوا- University of Iowa» الأميركية، بمشاركة واحد وعشرين كاتباً من مختلف دول العالم، في تقديم محاضرات وقراءات ضمن برنامج تديره جامعة «أيوا» منذ عام 1967، ويُعد أحد أقدم البرامج الثقافية في العالم.

ويمكن النظر إلى أن البرنامج، بالإضافة إلى القراءات أمام جمهور عام، يقوم أساساً على ما يُسمى «ورشة الكتابة الإبداعية -Creative Writing workshop» حيث يتشارك الطالب الجامعي المتخصص مع الكاتب في تحليل نص إبداعي، وإعادة إنتاج نص آخر، عن طريق الترجمة أو الكتابة المشتركة.

إن جامعاتنا العربية، مازالت في معظمها تدرس الأدب حسب المناهج التقليدية القديمة التي وضِعَت في بداية القرن العشرين، والتي تقوم في مجملها على تقسيم الأدب العربي إلى عصور، بدءاً بالعصر الجاهلي وصولاً إلى العصر الحديث/ الراهن، وتقوم وفق منهج تاريخي بالوقوف عند أهم نتاجات تلك العصور اللافتة، كما تقدم معرفة منهجية في ماهية وشروط القصيدة والقصة والرواية والمقالة والنقد وما شابه.

لكن مناهج الكتابة الإبداعية تختلف تماماً عن ذلك، حيث تقدم الكتابة بوصفها جهدا إبداعياً معرفياً إنسانياً خاصاً، وأن هذا الجهد خاضع لأصول، ينطلق منها الطالب بإشراف أستاذ، عادة ما يكون كاتباً أو فناناً، لكتابة نص جديد يخصّ الطالب ويعبر عن عالمه.

إن تجربتي في تدريس مادة «الكتابة الإبداعية» وفق المنهج الأميركي، في «الجامعة الأميركية في الكويت-AUK» أتاحت لي فرصة كبيرة في التواصل مع طلبة من مختلف التخصصات، وهم في معظمهم ليس لهم تجربة سابقة في الكتابة، بل ان البعض منهم لم تكن له تجربة مع قراءة الأدب، قصة كان أو رواية أو شعرا. لكن المفاجأة كانت في نهاية الفصل، بعد الانتهاء من الجزء النظري للمقرر، والدخول إلى عالم الكتابة عبر تحليل نصوص في القصة والرواية، لكتّاب محليين وعرب وعالميين، وأخيراً معايشة الكتابة من خلال «ورشة الكتابة المشتركة».

لقد كانت تعليمات إدارة الجامعة واضحة، بأن علامة تعادل ثلث الدرجة الكلية للمنهج يجب أن تذهب إلى كتابة نص من الطالب، ولذا كنتُ في رهبة وأنا أفحص نصوصاً لطلبة يكتبون للمرة الأولى، وكم كانت سعادتي بالغة وأنا أقرأ نصوصاً تحقق شرط الكتابة الإبداعية الفني، وتقدم متعة للقارئ، حتى إن بعض تلك النصوص يبشر بحق بمواهب واعدة، وتحديداً في كتابة القصة القصيرة، وبما يوجب الإشارة إليها، ونشر نتاجها، فهو لا يقل بأي حال من الأحوال عن أعمال قصصية منشورة في كتب، بل إن بعض تك الأعمال جاء بسوية إبداعية لافتة.

لقد اعتاد العالم على النظر إلى أوطاننا العربية بوصفها بلداناً متأخرة، وإذا كانت هذه النظرة تصح على كل مناحي الحياة، فإنها تقف عند الكاتب والفنان العربي. فوحدهما قادران على تقديم جهد إبداعي لا يقل عن أي جهد عالمي، وربما كان هذا وحده عزاء لتضحيات الكتّاب والفنانين.

تحية لطلبتي في الجامعة، وتحية أخرى واجبة للجامعة الأميركية.

back to top