مصر بين الشورى والديمقراطية وبالعكس!

نشر في 20-11-2013
آخر تحديث 20-11-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي - 1 -

شغلت المسألة السياسية (الديمقراطية والشورى) الرأي العام المصري، كما شغلت منذ سنتين أو أكثر، الرأي العام العربي بعد قيام الثورة التونسية في نهاية 2010.

وكثُر الحديث عن الشورى والديمقراطية، وكثُر الخلط بين الشورى والديمقراطية. وقال بعضهم إن الشورى هي بداية الطريق الديمقراطي الإسلامي. ولكن المدقق في "تاريخ الأفكار"، يجد فروقات مختلفة عدة بين الشورى والديمقراطية منها:                             

1- أن مفهوم الشورى بدايةً، غير مؤسس نظرياً، ولا تأصيل له في تاريخ وتجربة الحكم الإسلامي. ولا يمكن وصفه بالنظام الاجتماعي "الشامل"، كما يقول الباحث والمفكر والأكاديمي السوري عزيز العظمة، وهو من ضمن آليات الممارسة السياسية في التاريخ الإسلامي، ومرتبط باجتهادات الخلفاء، والملوك، والسلاطين، والولاة، دون الانتظام في رؤية كاملة، ودون الانتقال من مستوى التقنية السياسية الجزئية إلى مستوى المؤسسة السياسية الراسخة في الواقع، كما يقول المفكر والأكاديمي المغربي كمال عبداللطيف.

في حين أن مفهوم الديمقراطية مفهوم مـؤسس نظرياً، ومؤصَّل، وله تاريخ وتجربة ممتدة في الحضارة الغربية، منذ عهد الإغريق إلى اليوم. ويعتبر مفهوم الديمقراطية من أكثر المحاور السياسية أهمية في الفكر الغربي السياسي منذ قرون طويلة. واستطاع كبار المفكرين السياسيين أن يطوروا هذا المفهوم تطويراً علمياً متقدماً، انتهى بالغربيين إلى ما هم فيه الآن.

2- السلطة في النظام الشوري للسلطان، في حين أن السلطة في النظام الديمقراطي للأمة.

3- السيادة في النظام الشوري لله. والله هو المشرِّع الأعلى في الدولة، وشريعته واجبة التحقيق. والحاكم هو الله لا الإنسان، ولا حكم قبل ورود الشرع. وهو مفهوم يُسلِّم بتعالي القانون الإلهي ونسبية الإرادة البشرية. أما في النظام الديمقراطي فالسيادة للشعب. والأمة مصدر السلطات. والحاكم هو العقل، والإنسان هو الذي يضع لنفسه القوانين الملائمة. وهو قانون ومفهوم يُسلِّم بتعالي الإرادة البشرية، ولا مجال لنسبية القانون الإلهي فيه.

4- حكم الأغلبية، ليس معياراً للحق والصواب في النظام الشوري، بينما حكم الأغلبية في النظام الديمقراطي هو معيار الصواب والحق.

5- الشورى المُطبَّقة نظام رأسمالي، وكذلك الديمقراطية نظام رأسمالي.

6- الشورى مصطلح إسلامي، مستمد من دستور، موجه لحماية المغفلين قبل سواهم، كما قال المفكر والأكاديمي الليبي الراحل الصادق النيهوم. أما الديمقراطية فهي مصطلح أوروبي مستمد من دستور رأسمالي لا يحمي المغفلين.

7- لا يفصل النظام الشوري بين الدين والدولة، ولا يمنع رجال الدين من التدخل في السياسة، بينما يفصل النظام الديمقراطي بين الدين والدولة، ويمنع الدين ورجاله من التدخل في السياسة.

8- الأنظمة والقوانين والقواعد ثابتة في النظام الشوري. فلا تغيير ولا تبديل في أحكام الله، مهما اختلفت وتطورت الحياة. والدولة مقيدة بها، وعليها أن تحكم بمقتضاها، بينما في النظام الديمقراطي، تكون الأنظمة والقوانين متحوّلة، وتتغير مع تغير الحياة والاحتياجات ومستويات الوعي والثقافة. والدولة لا تتقيد بأي نظام أبدي مطلق.

9- تُطبَّق الشورى في دولة تُحرِّم قيام الأحزاب السياسية، وتعتبر الحزب الديني هو الحزب الوحيد المشروع. في حين تُطبَّق الديمقراطية في دولة تفصل الدين عن الدولة، وتتخذ لنفسها قوانين وشرائع من صُنع المفكرين والدارسين. وهي تخرج من فطرة الشعوب، كما يخرج النبات من الأرض.

10- تمنع الدولة الإسلامية -ذات النظام الشوري- من قيام جبهة للمعارضة، لأنه لا تحالف في الإسلام، وأن المسلمين جميعاً ينضمون في عقد واحد هو عقد الإسلام، في حين تُطبَّق الديمقراطية في دولة تؤمن بتعدد الأحزاب السياسية، وتعتبر تعدد الأحزاب دلالة صحية على نقاء الحياة السياسية، وتعدد الآراء.

11- الشورى، لا تتم بلقاء ممثلين عن الناس، بل لقاء الناس أنفسهم، لأن الإسلام لا يعترف بالنيابة، ولا يعترف بسلطة الحزب، مما يعني في لغة التطبيق أن تخضع الإدارة مباشرة لسلطة الأغلبية، وتُعاد صياغة القوانين بلغة الجماعة. وتسمح الدولة الديمقراطية بقيام المعارضة، وتعتبرها عين الرقابة على أداء الحكومات والإدارات. وكلما كانت المعارضة عالية المستوى العلمي والثقافي استفادت الدولة من انتقاداتها.

12- تتناقض دولة الشورى مع نفسها. ففي الوقت الذي تُحرِّم فيه قيام المعارضة وتحريم الأحزاب تعود لتقول بقيام الأحزاب، وتستشهد بالآية ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين﴾ (هود: 118). في حين أن الديمقراطية تتم بلقاء ممثلين عن الناس، فالناس أنفسهم لا وقت لديهم للقاء. ورغم هذا، فالإدارة في الدول الديمقراطية الحقَّة تخضع لسلطة الأغلبية المُنتخبة بالاقتراع الحر النزيه.

- 2 -

من المعروف، أن الفقهاء لم يتفقوا على حكم موحَّد للشورى، وانقسموا إلى فريقين: فريق يرى الندب (الاستحباب)، وفريق يرى الوجوب. وكان أقوى هذين الفريقين فريق الندب، الذي يرى أن الشورى ليست من المبادئ التي تُلزم الحكام، ولكنها مُستحبة، فإذا قام بها الحاكم استحق الثواب في الآخرة والثناء في الدنيا، وإذا لم يقم بها، وتركها، فلا حرج عليه في ذلك.

وقال هؤلاء انه لا يوجد في القرآن الكريم، نصٌ صريحٌ على وجوب الشورى، وان قوله تعالى ﴿وشاورهم في الأمر﴾ (آل عمران: 159) نزلت في الصحابيين: أبي بكر، وعمر بن الخطاب فقط. ويرى معظم المفسرين، أن هذه الآية ليست من النوع الواجب اللازم، ولكنها من المُستحب الحسن، وذلك لأن النبي الكريم المؤيد بالوحي من قبل الله، ليس بحاجة إلى الشورى، حيث أغناه الله بتسديد خطاه وتوفيقه للصواب.

ويفسر المفسرون سبب نزول هذه الآية، من أنها للاستحباب، وتطييب القلوب، عن طريق إظهار التقدير لآرائهم، واحترامهم.

وقال المؤرخ ابن كثير:

"إن الرسول الكريم، كان يشاور أصحابه في الأمر تطييباً لقلوبهم، ليكون أنشط لهم، فيما يفعلونه".

فأي الطريقين ستختار مصر غداً؟

* كاتب أردني

back to top