روسيا في عام 2012: الوضع الضبابي أصبح اعتيادياً!

نشر في 04-01-2013
آخر تحديث 04-01-2013 | 00:01
لا تستطيع الأنظمة التي تشبه نظام بوتين الصمود بفضل القمع وحده. لضمان الاستقرار والنجاح، تحتاج إلى القوة الدبلوماسية، أي القدرة على كسب موافقة الرأي العام بدلا من ضمان رضوخه حصراً، والقدرة على حكم البلد عبر الابتكار لا الخوف حصراً.
 راديو فري يورب في ذلك العام، تغير كل شيء. في ذلك العام، لم يتغير أي شيء!

فقد الحاكم الذي يدير البلد منذ فترة طويلة هالته وسلطته المطلقة، لكنه استعاد عرشه رغم ذلك. ارتفعت مكانة خصومه لكنهم تخبطوا ووجدوا صعوبة في توحيد أصواتهم. استيقظ المواطنون من سباتهم بعد أن كانوا راضخين لفترة طويلة وطالبوا بأمر جديد، لكنهم ظلوا عاجزين في وجه الدولة المتغطرسة.

أهلاً بكم في روسيا حيث تحول الوضع الضبابي إلى حالة اعتيادية وشائعة. إنه بلد عالق في نمط حياة مزعج وثابت، في الوقت الذي تدخل فيه إحدى الحقب السياسية مرحلة الهلاك وتوشك حقبة جديدة على الولادة.

عاد فلاديمير بوتين إلى الكرملين، لكن نظراً إلى احتدام الانقسامات والخلافات بين فئات الطبقة الحاكمة واضطراب الرأي العام وتنامي قوة المعارضة، أصبح نفوذه الطاغي جزءاً من الماضي. ربما ضعف بوتين بشدة، لكن لم يظهر أي خيار بديل عن حكمه (وما من خيار بديل عن النظام الاستبدادي الذي أصبح متخبطاً فجأة، بعد أن بناه بوتين بنفسه خلال العقد الماضي).

يقول نيكولاس غفوسديف، خبير روسي وأستاذ في كلية الحرب البحرية الأميركية، إن النتيجة لاتزال غير مؤكدة، لكنها قد تترافق مع الفوضى على الأرجح.

ويوضح غفوسديف: "ها نحن ننهي السنة بأسئلة إضافية بما يفوق الأسئلة التي كنا قد بدأنا السنة بها. هل نحن أمام حروب بين العشائر؟ هل نحن أمام حملة تطهير؟ هل نحن أمام إعادة تشكيل النظام بشكل كامل؟ مع اقتراب عام 2013، يمكن أن نقول إن جميع الاحتمالات واردة".

تنامي الاضطرابات

لاشك في أن بوتين لايزال حتى الآن أبرز قوة في السياسة الروسية. بصفته الرئيس، لاتزال جميع صلاحيات الدولة الروسية في متناوله.

يمكنه أن يستعمل المحاكم الراضخة له لاعتقال خصومه، ويمكنه أن يلجأ إلى الوسائل الإدارية لتزوير الانتخابات. يسيطر أعوانه على وسائل الإعلام التقليدية وقطاع الطاقة ومعظم الصناعات الثقيلة في البلد.

لكن يزداد منسوب الاضطرابات في أوساط بوتين الداخلية، وفي النخبة الحاكمة عموماً. مع مرور الأشهر، أصبحت الانقسامات داخل الطبقة الحاكمة بسبب التوجه السياسي الروسي أكثر وضوحاً من أي وقت مضى.

يفضل المسؤولون التكنوقراط، مثل رئيس إدارة الحكومة فلاديسلاف سوركوف، كسر الجليد السياسي من أجل التأقلم مع المجتمع المتغير. يريد المسؤولون المخضرمون في جهاز الأمن، مثل رئيس ديوان الكرملين سيرغي إيفانوف، ورئيس لجنة التحقيق ألكسندر باستريكين، أن ينفذ النظام حملة قمع صارمة، وأن يكبح حركة المعارضة.

يبدو أن دعوات الخبراء الاقتصاديين، الذين يميلون إلى الغرب (مثل وزير المالية الأسبق ألكسي كودرين، ونائب رئيس الوزراء أركادي دفوركوفيتش)، لتنويع الاقتصاد الروسي، وعدم حصره في قطاع النفط والغاز، تلقى معارضة شديدة من أتباع بوتين النافذين، مثل المدير التنفيذي لشركة "روسنفت" إيغور سيتشين الذي يسيطر على قطاع الطاقة.

نظراً إلى احتدام الخلاف وتزايد المؤامرات في المراتب العليا، يزداد تخبط "السلطة العمودية" التي تطبع حكم بوتين، أي ذلك النظام الاستبدادي الذي يبدأ من المراتب العليا، وقد بناه بوتين بنفسه ليتابع السيطرة على المسؤولين في أنحاء البلد الشاسع.

بينما يضعف بوتين سياسياً، يهدد هذا الوضع بزعزعة دوره التقليدي كأبرز صانع قرار في روسيا (هو الوسيط الضروري الذي يستطيع الفصل بين مختلف فئات الكرملين وجماعات الضغط).

"من الواضح أن بوتين عاد ليكون المسؤول عن الوضع"، بحسب رأي إدوار لوكاس، محرر دولي في مجلة ذي إيكونوميست البريطانية الأسبوعية ومؤلف الكتاب الذي نُشر حديثاً بعنوان "الخداع: جواسيس، أكاذيب، وكيف خدعت روسيا الغرب" (Deception: Spies, Lies, and How Russia Dupes the West).

أوضح لوكاس: "لكنه مسؤول عن ماذا؟ وكيف؟ ويبدو أنه بدأ يخسر دوره كحَكم وحيد في السياسة الروسية. تكثر الجوانب الغامضة في خلفية الأحداث الحاصلة، ولا أحد يعلم حقيقة التحالفات أو سبب وقوع أحداث معينة".

خلال النصف الأول من هذه السنة، كانت المعارضة تحرك الخطاب الوطني، علماً أنها رفعت صوتها بدعم من الاحتجاجات الحاشدة التي تلت انتخابات الدوما المثيرة للجدل في ديسمبر 2011.

يبدو أن المشاهير المحليين يستغلون نجوميتهم للدفع باتجاه التغيير أيضاً، منهم النجمة التلفزيونية كسينيا سوبتشاك التي تحولت إلى ناشطة سياسية، والممثل ألكسي ديفوتشينكو، وكاتب الروايات البوليسية بوريس أكونين.

نجحت المعارضة في الضغط لفرض الإصلاحات (مع أنها لم تتبلور بعد) وتكرار انتخابات المحافظين، وتسهيل قواعد تسجيل الأحزاب السياسية.

لكن بعد فترة قصيرة على عودة بوتين إلى الرئاسة في شهر مايو، مهدت المرونة النسبية، التي شهدتها روسيا لفترة وجيزة، لانطلاق حملة انتقامية جديدة، فقد عمد النظام إلى كبح المعارضة المتنامية.

بدءاً من اعتقال أعضاء الفرقة النسائية "بوسي ريوت"، وصولاً إلى فرض قوانين صارمة جديدة تستهدف المنظمات غير الحكومية المموَّلة من الخارج وتمنع التظاهرات العامة، فضلاً عن استمرار الجرائم ضد شخصيات المعارضة مثل ألكسي نافالني وسيرغي أودالتسوف، اتضح أن المتشددين بدأوا يفوزون بالجدل داخل الكرملين فاحتدم الخلاف بين الفئات المختلفة.

يقول شون غيلوري، مسؤول في مركز الدراسات الروسية والأوروبية الشرقية التابع لجامعة بيتسبرغ، إن "نظام بوتين واجه حركة سياسية لم يعهدها منذ بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين".

ويوضح غيلوري: "كانت طريقة ردهم على المعارضة النزيهة قمعية وغير مدروسة. تبحث حكومة بوتين عن أجندة معينة، لكنها لم تحدد بعد طبيعة تلك الأجندة".

القوة الدبلوماسية

لكن لا تستطيع الأنظمة التي تشبه نظام بوتين الصمود بفضل القمع وحده. لضمان الاستقرار والنجاح، هي تحتاج أيضاً إلى القوة الدبلوماسية، أي القدرة على كسب موافقة الرأي العام بدل ضمان رضوخه حصراً، والقدرة على حكم البلد عبر الابتكار لا الخوف حصراً.

خلال ولاية بوتين الرئاسية الأولى بين عامي 2000 و2008، برع الكرملين في هذا المجال، لكنه لم يعد يفلح بالطريقة نفسها. يبدو خطاب الكرملين بشأن إعادة إحياء كرامة روسيا الوطنية المفقودة، وتجاوز مظاهر الفوضى والحرمان التي سادت في التسعينيات، بالياً وتقليدياً في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.

كانت نشاطات بوتين في حياته الخاصة تعلق في مخيلة الرأي العام سابقاً، لاسيما هواية الغطس والصيد والتقاط صوره عاري الصدر. لكن يشرح لوكاس أن هذه الجهود باتت تفشل الآن، فقد بدأ بوتين يتقدم في السن وتسري شائعات في الفترة الأخيرة عن تراجع صحته.

يقول لوكاس: "يجب أن يتمكن من طرح خطاب عام يرتكز على عوامل النجاح والكفاءة وسلطة القيادة، علماً أن رشاقته الجسدية واستعادة الصحة الاقتصادية في روسيا كانا أمرين متداخلين، لكن يصعب عليه الحفاظ على هذا الوضع الآن، ويصعب عليه أن يبقى رمزاً لتحقيق آمال الشعب. يبدو أنه أصبح قابلاً للانهيار السريع".

مع اقتراب نهاية السنة، حاول بوتين أخذ زمام المبادرة من خلال إطلاق حملة لمكافحة الفساد، كانت كفيلة بإقالة بعض كبار المسؤولين، بما في ذلك أناتولي سيرديوكوف الذي طُرد من منصب وزير الدفاع بسبب فضيحة فساد.

لكن بقيت معظم شرائح الرأي العام ووسائل الإعلام المستقلة مقتنعة بأن تلك الجهود هي مجرد تصفية حسابات بين الأطراف المتنازعة في الكرملين.

يقول المحللون إن جزءاً أساسياً من مشكلة الكرملين هو أن المجتمع الروسي يتطور بسرعة، والطبقة السياسية لا تواكب ذلك التطور. أدى الازدهار غير المسبوق خلال عهد بوتين إلى نشوء طبقة وسطى أصبحت ركيزة للمجتمع المدني الناشئ الذي بدأ يطالب الآن بحقوقه السياسية.

أصبحت هذه "السلطة الأفقية" الثابتة والمدروسة والمطّلعة والمرتبطة بوسائل الإعلام الاجتماعية مستعدة الآن لتحدي "سلطة بوتين العمودية".

لن يتغير هذا الوضع في أي وقت قريب بحسب رأي ماشا ليبمان من "مركز كارنيغي" في موسكو.

توضح ليبمان: "يسيطر الكرملين على المساحة السياسية كلها حتى الآن، لكنه لا يستطيع السيطرة على القطاع المدني. يبدو أن هذه الصحوة المدنية ستتابع مسارها، ويبدو أن سياسة الكرملين تجاه هذا الوضع تعزز هذه الطاقة المدنية التي نشأت منذ سنة. يصعب كبح هذه النزعة".

Brian Whitmore

back to top