مجزرة يستطيع أوباما وقفها

نشر في 31-12-2012
آخر تحديث 31-12-2012 | 00:01
 ديلي كولر تسمّر الأميركيون طوال الأيام الماضية أمام شاشات التلفزيون ليتابعوا تغطية عملية إطلاق النار المأساوية في إحدى المدارس في كونيكتيكت، ومن الطبيعي أن يتملكهم الغضب نتيجة هذه المجزرة العبثية، ويطالبوا حكومتهم باتخاذ الخطوات اللازمة لمنع تكرارها.

لكن معظم الأميركيين لا يبالون أو حتى لم يسمعوا بالمأساة التي تبتلي الشعب السوري، مأساة تبدو أمامها حادثة كونيكتيكت ضئيلة، فإطلاق النار في كونيكتيكت توقف، إلا أن المجزرة السورية لا تزال في أوجها. صحيح أن الرئيس الأميركي لا يستطيع محو كارثة منطقة نيوتاون في كونيكتيكت، إلا أن بإمكانه وقف إراقة الدماء في سورية، وقد آن الأوان لذلك.

منذ بدء الانتفاضة السورية، قُتل أكثر من 40 ألف شخص، وإن تكررت حادثة إطلاق النار في نيوتاون أربع مرات في اليوم، كل يوم طوال سنة، لا تبلغ حصيلة الضحايا عدد الأرواح التي زهقت في سورية.

وكما في كونيكتيكت، يشمل ضحايا العنف في سورية أطفالا أبرياء، ففي شهر مايو 2012، حصدت مجزرة الحولة حياة أكثر من 100 شخص، بينهم 30 امرأة و50 طفلا، وقد أُعدم كثيرون منهم عن قرب.

في الأسابيع الأخيرة، لجأت الحكومة السورية إلى أعمال العنف المتفاقمة والهجمات المميتة في صراعها اليائس للتمسك بالسلطة. فقد أطلقت قوات الأسد صواريخ سكود على المدن، واستخدمت الطائرات العسكرية لقصف المراكز السكنية المدنية.

طالب الشعب السوري بمده بالسلاح كي يدافع عن نفسه، إلا أن هذه المطالب لم تلقَ جوابا، في هذه الأثناء، تواصل دول، مثل إيران، بتمويل الرئيس الأسد ودعمه، بينما يستمر في قتل شعبه.

أعلن الرئيس أوباما أن "الخط الأحمر" الذي يرغمه على التدخل في سورية هو استخدام الأسلحة الكيماوية، ويعني ذلك، على ما يبدو، أن قتل الرجال والنساء والأولاد السوريين مباح، ما دام النظام السوري لا يستعمل أسلحة الدمار الشامل.

لكن المعارضة السورية نجحت بصلابتها وقوة عزيمتها في تحقيق مكاسب مهمة، فقد استولت على أسلحة من الجيش السوري، سيطرت على مناطق مهمة، وحافظت على معنوياتها مرتفعة، مع أن العالم تخلى عنها، وجيش النظام فاقها عددا وعتادا.

في هذه المرحلة، تدرك الحكومة السورية بحد ذاتها أنها لا تستطيع الانتصار عسكريا، فهذا ما عبّر عنه فاروق الشرع، الذي لا يزال (صوريا على الأقل) نائب الرئيس السوري، لكن الثوار أيضا لن يتمكنوا من الإطاحة بالأسد في المستقبل القريب من دون مساعدة خارجية، وما عاد بإمكاننا أن نتخلى عنهم.

يعدد مَن يعارضون التدخل العسكري غالبا مجموعة من المخاطر: قد نسلّح مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة، نسبب اضطرابات في المنطقة، أو نخاطر بوقوع أسلحة سورية البيولوجية بين أيدي مجموعات إرهابية.

بالإضافة إلى ذلك، يثير منتقدو التدخل في الكثير من الأحيان مسألة وجود مجموعات متطرفة في سورية ليعززوا موقفهم، لكن ما يغفلون عن ذكره هو أن وجود هذه المجموعات المتطرفة يعود في جزء منه إلى تقاعسنا عن التدخل، فبإخفاقنا في مساعدة الثوار، أرغمناهم على اللجوء إلى كل مَن يستطيع مساعدتهم، بمن فيهم هذه المجموعات.

لكن سوريين كثرا يحتقرون هؤلاء المتطرفين، وبمساعدتنا الثوار وتسليحهم، نعطيهم الفرصة للابتعاد عن الإرهابيين والمتطرفين. وعندما تسقط حكومة الأسد، بما أن الجميع يظنون أنها ستنهار، نتمتع بنفوذ أكبر يتيح لنا التأثير في عملية صوغ مستقبل سورية.

يدّعي منتقدو التدخل أيضا أن تسليح الثوار قد يزيد الصراع حدة ويفاقم عدم الاستقرار في المنطقة، ولكن في هذه المرحلة، من الصعب أن نتخيل أن الصراع قد يزداد حدة (إلا إذا لجأت قوات الأسد إلى الأسلحة الكيماوية، ما قد يؤدي إلى تدخل الولايات المتحدة عسكريّا، كما أشار أوباما).

علاوة على ذلك، زاد وقوفنا مكتوفي الأيدي عدم الاستقرار في المنطقة بجعل الأعداء، مثل إيران، أكثر جرأة، مضعفا في الوقت عينه حركة المعارضة الإيرانية (إذا رأت أننا غير مستعدين لمساعدة الشعب السوري رغم مقتل 40 ألف نسمة، فستستخلص بالتأكيد أننا لن نساعدها البتة في حال سعت مرة أخرى للإطاحة بالملالي).

أخيرا، يدعم الخوف من وقوع الأسلحة الكيماوية بين أيدي الأشخاص الخطأ التدخل في سورية، لا العكس، فالأسد سيسقط لا محالة، وإن لم نملك أي وجود في سورية ولم نتمتع بنفوذ قوي بين الثوار، فسنواجه صعوبات أكبر في سعينا لحماية هذه الأسلحة بعد سقوط الأسد.

يستطيع الرئيس أوباما وقف العنف في سورية وإنقاذ آلاف الأرواح بحركة صغيرة من قلمه، ولا شك أن ما حدث في نيوتاون مأساوي، شأنه في ذلك شأن ما نراه في سورية، وقد حان الوقت لتقرّ إدارة الولايات المتحدة وشعبها بذلك وتأخذ الخطوات الضرورية لوقفه.

David Meyers

عمل ديفيد مييرز في البيت الأبيض بين عامَي 2006 و2009، ولاحقا في مجلس الشيوخ الأميركي، وهو اليوم يتابع دروسه العليا في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأميركية.

back to top