حوار الطرشان: مثالية الدكتاتور

نشر في 12-10-2013
آخر تحديث 12-10-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان منذ قرون سحيقة والفكر الإنساني يبحث عن المثالية - كنظام- في كل مكان علّه يجدها أو يجد من يدله عليها، فأضناه التعب، بعد أن تكبد المشقة، وباءت جهوده بالفشل بعدما تيقن أن المثالية وتطبيقاتها ضرب من ضروب الخيال لأنها تخالف الفطرة البشرية.

وبناء عليه انقسم الفكر الإنساني إلى اتجاهين:

الأول، استمر -رغم الاستحالة- في البحث عن المثالية من خلال نظام دكتاتوري يكمم الأفواه ويصادر العقول بدعوى البحث عن المثالية المنشودة.

الثاني، استطاع أن ينسجم مع ذاته، فرسم الخطوط، ومع ذاك الانسجام وهذا الرسم، توصل إلى الديمقراطية التي تحقق له القدر النسبي في كل شيء، فالحرية التي ارتضاها وعاش في كنفها نسبية، والعدل أيضاً، والمساواة كذلك.

وبالتالي جعل من ديمقراطيته نهجاً يسير عليه ولا يخرج عن جادته، فطابت له الأيام وسعدت به الليالي.

***

أما نحن العرب فقد كنا ومازلنا وسنظل نبحث عن المثالية بطرق دكتاتورية، لأننا من أتباع الاتجاه الأول، بل نحن قادته وأسياده، الذي لم يرتضِ ما ارتضاه أصحاب الاتجاه الثاني، واتباعنا للاتجاه الأول كان عن قصد وسبق ترصد، لأننا نعلم أن الديمقراطية - وما تحمله من هامش كبير للحرية- التي ارتضاها الآخر وسعد بها، لا تعني لنا سوى معول هدم يحطم غطرستنا التي لا نود لها أن تتحطم، ويبدد مراكز القوى التي لا نرضى لها أن تتبدد، لأنها -أي الديمقراطية- تأتي بنتائج عكس ما تحب نفوسنا المريضة بداء التعالي، بمعنى أنها قد تجعلك فائزاً منتصراً في حقبة معينة من الزمن، إلا أنها ستجعلك من الخاسرين في حقب أخرى، والدكتاتور بطبيعة الحال وواقعه لا يرضى أن يكون من الخاسرين من قبل شعب مستضعف.

***

والمثالية... أصحابها الدكتاتوريون، الذين يجنحون نحو الخيال لحل مشاكل الشعب المحطم، لأنهم لا يريدون الواقع، ويكرهون السير على أرضيته، لأن الواقع يعني لهم العمل الدؤوب، والمحاسبة على التقصير، والانضباط وفق استراتيجية مرسومة ومنضبطة.

ومن حيث إنهم لا يريدون ذلك ولا يرغبون به، أخذوا بانتشال الشعوب ليحلقوا بهم بأجنحة من الخيال مستعارة، حيث رفعوا الشعارات البراقة التي تلامس الوجدان الشعبي، ولا تخاطب العقول، كشعار "الإسلام هو الحل"، و"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، و"الجامعة الإسلامية"، وأخيراً وليس آخراً، "القومية العربية" وسبيل جمع شتاتها.

وتحت هذه الشعارات الخادعة، أحكم الدكتاتور قبضته على الشعب ومقدراته، بمعاونة أصحابه وأعوانه والمقربين منه، فانتشر الفساد بشكل رهيب، فاستحالت الأموال العامة بلا حرمة، فكثر النهب، وعمّ الظلم، وضرب الباطل فسطاطه على مكان مرتفع دون حياء.

وكلما أراد أصحاب العقول النيرة أن يقفوا في وجه هذه الشعارات المغيبة للعقول، تصدى لهم الدكتاتور بالقتل أو التشريد من أوطانهم.

***

خلاصة القول...

إن المثالية ستظل مسيطرة، مادام أصحاب العقول والمفكرون، الذين يشكلون بمجموعهم نخبة النخبة في أي مجتمع حي، يجلسون في الصفوف الخلفية قسراً... والسلام.

back to top