كيف أجازت المحكمة الدستورية لنفسها النظر في مراسيم «الضرورة»؟

نشر في 16-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 16-07-2013 | 00:01
 يوسف ناصر الشايجي رغم قناعتي الشخصية بأن أحكام المحكمة الدستورية الأخيرة المتعلقة بالطعون بالمراسيم الأميرية، بما فيها مرسوم الصوت الواحد، فيها جانب من الإيجابية، خاصة في تأكيد خضوع مراسيم الضرورة لرقابة المحكمة الدستورية، وبغض النظر عن موقفي من مسألة المشاركة أو المقاطعة للانتخابات النيابية الأولى والثانية، التي جرت، والتي ستجرى بنظام الصوت الواحد، تبادرت إلى ذهني عدة أسئلة، لعلي أجد عند خبرائنا الدستوريين الإجابة الشافية لها وهي: كيف أجازت المحكمة الدستورية لنفسها النظر في مراسيم الضرورة؟ وإلى ماذا استندت في ذلك؟ وهل هناك نص دستوري يمكنها من ذلك؟ حيث إن المادة (71) من الدستور تنص في فقرتها الثانية على أنه: "ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك، أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتمادها ونفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر".

كذلك واستناداً إلى نص المادة (173) من الدستور وتفسيرها الذي جاء من ضمن المذكرة التفسيرية يتضح أن اختصاص المحكمة الدستورية ينحصر في أمرين:

أولا: النظر في الطعون على القوانين واللوائح المعمول بها من حيث توافقها أو مخالفتها لأحكام الدستور.

ثانيا: تفسير نصوص مواد الدستور.

وإذا حاولنا الربط بين ما جاء في المادتين المذكورتين، نصل إلى النتيجة التالية: لا تملك المحكمة الدستورية حق النظر في المراسيم الأميرية المتعارف عليها سياسيا بـ"مراسيم الضرورة" للأسباب الآتية:

1- المحكمة تنظر في القوانين الصادرة من المجلس أثناء أدوار انعقاده أو فصوله التشريعية، أما المراسيم التي يصدرها الأمير في الظروف الاستثنائية المذكورة في المادة (71) وقت تعطل المجلس عن أداء وظيفة التشريع، فإنها لا تعتمد كقوانين يمكن الطعن عليها أنها مازالت في طور التشريع، وﻻ يجوز مصادرة حق المجلس التشريعي في إبداء الرأي فيها حتى إن كان بأثر رجعي إلا بعد إقرار المجلس لها، حتى إن صدرت وعمل بها خلال فترة توقف المجلس، كما حصل مع مرسوم (الصوت الواحد) الذي صدر وعمل به أثناء فترة الشهرين التي أجريت فيها عملية انتخاب مجلس الأمة في (ديسمبر 2012).

2- أي أن المحكمة الدستورية لا يجوز لها النظر في المراسيم من حيث "ضرورتها"، لأن ذلك الحق مقتصر على مجلس الأمة فقط الذي لا ينازعه فيه أحد بحسب نص المادة (71) فإذا ما ألغى المجلس تلك المراسيم لا يتم الطعن عليها كقوانين لأنها ما عادت قائمة، أما إذا أقرها فقد أصبح من الجائز النظر في الطعن عليها من حيث طبيعتها كقوانين تتعارض مع الدستور وليس من حيث "ضرورتها"، وهذا كذلك حق أصيل للمحكمة الدستورية لا ينازعها فيه أحد، والقصد من هذا الفصل تأكيد الالتزام (بنص المادة 50):

"يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور، ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور".

3- وخير دليل لوقوع هذا التداخل في المهام والصلاحيات بين السلطتين التشريعية والقضائية بعد حكم المحكمة الدستورية الأخير هو ما تم بشأن المرسوم رقم (21) الخاص بإنشاء (الهيئة العامة للانتخابات)، ففي الوقت الذي قبلت فيه المحكمة النظر بالطعن المقدم عليه، وأبطلت المرسوم لعدم توافر أسباب الضرورة فيه، بالمقابل كان للمجلس رأي مخالف تماماً فيه، فقد أقره كمرسوم وأصبح قانونا قائما لأنه جاء متزامنا مع الدعوة للانتخابات البرلمانية في (ديسمبر 2012) ولمباشرة الهيئة لمهامها ابتداء من هذه الانتخابات، وأيضاً لأن المرسوم أسند مهمة الإشراف على الانتخابات إلى السلطة القضائية بدلا من وزارة الداخلية، ما أوجد شيئا من الثقة لدى الناخب والمرشح، على أمل أن تكون تلك خطوة للوصول إلى الشفافية الكاملة التي يجب أن تتصف بها العملية الانتخابية، لذلك رأى المجلس توافر أسباب الضرورة التي تستلزم الإسراع في إصدار هذا المرسوم... ألا يعد هذا التناقض وليس التباين بين موقف السلطتين من ذات المرسوم مخالفة صريحة لما جاء في المادة (50) الخاصة بالفصل بين السلطات مع تعاونها، وألا يعدّ ذلك تنازلا من السلطة التشريعية لجزء من اختصاصها للسلطة القضائية.

4- لو طبقنا ما تكون لدينا من فهم أو نتيجة لما سبق، على الطعن المقدم على المرسوم رقم (20) الخاص "بالصوت الواحد"، والتي صدرت أحكامه في 16/6/2013، كان على المحكمة أن تلتفت عنه ولا تنظر إليه من حيث "ضرورته" إنما من الممكن النظر فيما لو كانت هناك طعون عليه من حيث طبيعته المخالفة للدستور بسبب انتقاصه لحقوق الناخب من 4 أصوات إلى صوت واحد أو لسبب تعارضه مع المادة (102) من الدستور، وذلك على "سبيل المثال" أو لأسباب أخرى.

5- الإطالة والدخول في التفاصيل في نص المادة (71) كان بقصد الإيضاح وتأكيد حق المجلس منفرداً في تقرير ضرورة المراسيم.

6- أما من ناحية الشق الثاني لاختصاص المحكمة الدستورية والمتمثل بالنظر في تفسير نصوص الدستور، فحسبما أرى أن نص المادة (71) الخاصة بإصدار المراسيم الأميرية، واضح ولا لبس فيه، حيث حدد من يملك حق إصدار المراسيم، وحدد أوقاتها عند (غياب المجلس)، ومن يملك حق إقرارها ورفضها، ومدة سريانها وآلية ذلك، وفي هذا الجانب أيضاً وعند قيام المحكمة بممارسة دورها التفسيري لمواد الدستور ينحصر اهتمامها وتركيزها على ملاءمة نص المادة مع السياق أو البناء العام للدستور فقط، ولا ينسحب إلى الدخول في تقييم وتقدير الظروف السياسية المصاحبة التي استوجبت إصدار مراسيم الضرورة، كما جاء في حيثيات الأحكام الأخيرة في ما يخص النظام الانتخابي (الصوت الواحد): بأنه نظام متبع ومعمول به في الكثير من الدول، وهنا أعتقد مع كامل تقديري للمحكمة أنه جانبها الصواب في ذلك، إضافة لاختلاف الكثير معها في ما ذهبت إليه من رأي سياسي في هذا الشأن.

نخلص من ذلك كله إلى أنه: ما كان على المحكمة الدستورية في 2013/6/16 أن تنظر الطعون المقدمة على المراسيم الأميرية من حيث "الضرورة"، حيث إنها لا تملك ذلك الحق الذي منحه الدستور لمجلس الأمة منفرداً حسب المادة (71)، وعملاً بما جاء في المادة (50) للفصل بين السلطات مع تعاونها، ومن المؤكد أن لها كل الحق في أن تنظر في الطعون عليها عندما تصبح قوانين بعد إقرار المجلس لها.

هذا اجتهاد متواضع مني قد أكون مصيباً فيه، وقد أكون مخطئاً... لذلك طلبت توجيهه إلى الأساتذة الخبراء الدستوريين بغرض الاستزادة الدستورية الخاصة والعامة لفهم واجباتنا وحقوقنا الدستورية وبالتأكيد للالتزام بها.

* الأمين العام السابق للمنبر الديمقراطي

back to top