وجهة نظر: تأثير الثورة على السينما بعد عام

نشر في 27-01-2012
آخر تحديث 27-01-2012 | 00:01
 محمد بدر الدين يكاد يقتصر حديثنا في قضية تأثير ثورة 25 يناير 2011 الشعبية على السينما المصرية، بعد عام من قيام الثورة، على جانب واحد هو التعبير السينمائي، لأن تأثيرات الثورة لم تقترب بعد من أوضاع السينما في منظومة الإنتاج والتوزيع وشروط السوق والرقابة... إلخ.

حدوث مثل ذلك التغيير رهن بحدوث تغييرات أخرى كبرى في بنية المجتمع ككل، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، الأمر الذي يحتاج بلوغه وقتاً طويلاً، بحكم المدى الذي تتطلبه مرحلة الانتقال وظروفها الصعبة، وبحكم تمسك المستفيدين من أوضاع ما قبل الثورة بمصالحهم إلى حد الاستماتة والتخريب إذا لزم الأمر، سواء في مجال الفنون أم في جميع المجالات من دون استثناء.

تأثير الثورة الأكبر على التعبير السينمائي شاهدناه في الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة أكثر من الأفلام الروائية الطويلة، وقد سبق أن رأينا مثيلاً لذلك إزاء أحداث وطنية ضخمة أخرى. لعل النموذج الأوضح هنا الروائع والأعمال المهمة التي قدمتها السينما التسجيلية في أعقاب حرب أكتوبر 1973 تعبيراً عن عبور رمضان العظيم، في مقابل الأعمال التافهة والشائنة التي قدمتها السينما الروائية عن تلك الحرب (من قبيل: بدور ـ الرصاصة لا تزال في جيبي ـ الوفاء العظيم.. إلخ)، إلا في ما ندر، ونحسب أن ذلك النادر تمثل في فيلم روائي طويل واحد هو «أبناء الصمت» إخراج محمد راضي عن رواية بالعنوان نفسه لمجيد طوبيا وبطولة محمود مرسي وكوكبة معه.

في ما يتعلق بثورة يناير تمثل التأثير على التعبير السينمائي في أمرين:

الأمر الأول والأهم: هو تقديم باقة من الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة عن الثورة، يتصدرها فيلم «18 يوم» الذي لم يعرض عرضاً عاماً للجمهور بعد، وإن عرض في مهرجانات سينمائية عدة ولقي استحساناً بيناً، وهو فيلم يضم عشرة أفلام قصيرة، في عقد واحد متعدد الحبات أو الحلقات، لعشرة مخرجين مصريين متميزين، كل منهم يرى الثورة من جانب أو زاوية، ومن هؤلاء يسري نصر الله وشريف عرفة وكاملة أبو ذكري... وغيرهم.

كذلك يتصدر هذه الباقة الفيلم التسجيلي الطويل «التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي»، المؤلف من ثلاثة أقسام أخرجها عمرو سلامة وتامر عزت وآيتن أمين، ويعتبر أول فيلم تسجيلي يعرض على الجمهور في دور العرض بتذاكر، وتتنوع أقسامه بين تقديم لمحات أو ملامح من «الطيب» أي الشباب والمواطنين الذين قاموا بالثورة، و{الشرس»، وهو رجل الشرطة الذي دربه وشكله نظام الحكم لحمايته لا حماية الشعب، لذلك فإنه مارس أساليب وصور القمع والإرهاب كافة ضد المواطنين سواء في خضم حدث الثورة الكبير أم قبله. أما «السياسي» فقد صور بروح ساخرة ووعي سياسي إلى حد كبير كيف أمكن صنع الدكتاتور، متمثلاً في حاكم مصر السابق، أو أي مستبد وطاغية في أي مكان آخر من العالم!

وثمة أفلام أخرى عدة، لها أهميتها وقيمتها سواء التوثيقية أم الفكرية أم الفنية، مثل «جمعة الرحيل» إخراج منى عراقي الذي فاز بالجائزة الأولى لمهرجان جمعية الفيلم في عام 2011، و{الثورة الضاحكة» من إنتاج «بي بي سي العربية»، وغيرهما.

الأمر الثاني في تأثير الثورة على التعبير السينمائي هو الأقل أهمية بالتأكيد، وتمثل في الأفلام التي قد نطلق عليها لقب «سينما التطفل على الثورة»، إذا جازت هذه الصيغة، وهو تطفل يأخذ صوراً عدة:

من تلك الأفلام ما يلصق بنهاية الفيلم مشهداً عن الثورة، وقد تتوافر في الفيلم درجة اقتراب من واقع مأزوم قبل الثورة، مثل «صرخة نملة»، فيعتقد أصحابه أن ذلك يتيح لهم الإدعاء بأن وضع النهاية الجديدة أمر طبيعي ومنطقي.

وقد لا يتوافر أي مبرر من أي نوع في الفيلم لأقحام موضوع الثورة فيه، وفي هذه النماذج تصل السذاجة إلى مداها مثل «الفيل في المنديل»، خصوصاً أن بطل ذلك الفيلم طلعت زكريا أحد المعروفين بعدائهم للثورة من أول يوم وتطاولهم على الثوار، إلى درجة الانحطاط، ومع ذلك نراه في نهاية الفيلم يلقي التحية بيد مرتعشة عند الإشارة إلى شهداء الثورة، مقلداً الجنرال الذي قام بالتحية العسكرية للشهداء يوماً. لكن النهاية الخائبة في الفيلم الفاشل لم تجد صدى سوى السخرية الكاملة! من القليلين الذين شاهدوا الفيلم بالطبع، لأن الاتجاه الغالب بالنسبة إليه كان المقاطعة.

كذلك ثمة فيلم لا يقل سخفاً لنجم فكاهة آخر هو محمد سعد بعنوان «تك تاك بوم»، وهو محض تهريج وهراء في مقام الحديث عن أمر جاد ومجيد وهو اللجان الشعبية لحراسة الأحياء أثناء الثورة. كذلك ترددت في بعض الأفلام التجارية السطحية (كأفلام لهاني رمزي وغيره من نجوم) عبارات من مفردات وشعارات شهيرة للثورة، مثل: الشعب يريد، مش هنمشي هو يمشي، باطل... إلخ.

أما أفلام العام الجادة ولأن أصحابها جادون، فلم يلجأوا قط إلى «التطفل على الثورة»، وقدموا أفلامهم كما وضعوا أساسها قبل الثورة: «حاوي» لإبراهيم البطوط، «كف القمر» لخالد يوسف، «أسماء» لعمرو سلامة، «المسافر» لأحمد ماهر. ولأنهم أيضاً مخرجون أمناء حريصون على الثورة، كلهم كانوا دائماً من رجالها المخلصين في الميدان.

back to top