جميل راتب والسينما... عربياً وعالمياً

نشر في 23-01-2012
آخر تحديث 23-01-2012 | 00:01
 محمد بدر الدين كرم مهرجان دبي السينمائي في دورته الأخيرة الممثل الكبير جميل راتب، وأصدر كتاباً عنه في إطار الاحتفال به، فقد تنوع وتوزع أداء راتب المميز بين السينما والمسرح والتلفزيون، وبين التمثيل في مصر وغيرها من بلدان العالم العربي والعالم.

هو «المصري عضو الكوميدي فرانسيس»، حيث قدم إنتاجاً مسرحياً وفيراً ولافتاً، وهو الذي قدم في الوقت نفسه أدواراً مهمة في السينما العالمية والعربية إلى جانب المصرية.

كأنما كانت السينما المصرية في انتظاره، عند عودته، في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين، لأنها كانت بحاجة إلى «شرير سينما جديد» إلى جوار عادل أدهم، لأن «الشريرين القدامى» باتوا مسنين، أو غير قادرين على سينما الحركة.

وجد في انتظاره، في مصر، أدوار الأشرار في أفلام مثل «الكداب» للمخرج صلاح أبو سيف عن قصة صالح مرسي، و{على من نطلق الرصاص» للمخرج كمال الشيخ والمؤلف رأفت الميهي، وغيرهما.

مع أن راتب تعامل مع مخرجين كبار ورواد، إلا أن تطلعه كان الخروج على النمط التقليدي لشرير الفيلم كما بدا في ما عرض عليه من أفلام، وهو ما استطاعه بدرجة كبيرة في فيلم «شفيقة ومتولي» إخراج علي بدرخان، بأداء شخصية أفندينا صاحب السلطان والصولجان، الذي على رغم الأبهة والخيلاء، ما إن يغلق عليه باب والمرأة الحسناء «شفيقة» (سعاد حسني) حتى يفتضح وجهه الآخر كشهواني مريض، لا يجد بغيته ومتعته سوى في إذلال امرأة له وهما منفردان، بقدر ما إنه لا يجد ذلك خارج الغرفة سوى في إذلاله للناس وقهرهم، وممارسة أسوأ صور الاستغلال والاستنزاف لهم!

قام راتب ببطولة الأفلام التونسية على التوالي: «شيخشان» (1994)، «كش ملك» (1994)، و{حلق الواد» (1996). اللافت أن بطولته فيها جاءت مطلقة، الأمر الذي ربما لم يتحقق على هذا النحو في أفلامه المصرية. كذلك شارك راتب في بطولة الفيلم المغربي «سيدة القاهرة» للمخرج مؤمن سميحي، واللافت أيضاً أنه في الأفلام التونسية تكلم باللغتين الفرنسية والإيطالية وباللهجة التونسية، ولعله الممثل المصري الوحيد الذي أجادها، فالممثلون المصريون عداه، الذين ظهروا في أفلام تونسية، أدوا باللهجة المصرية مثل محمود مرسي في «الشمس والضباع»، وكمال الشناوي وليلى فوزي ومديحة كامل في «الملائكة»، ذلك على رغم صعوبة اللهجة التونسية خارج تونس، ونحسب أن لهذا السبب إلى جانب براعته واقتداره كممثل، تكررت استعانة الإنتاج السينمائي التونسي به.

عُرف راتب في فرنسا كممثل مسرحي من طراز رفيع، ومن المعروف أنه قدم أداء مميزاً لقي الاستحسان باستمرار، في روائع أعلام المسرح الكبار أمثال ويليام شكسبير وجان أنوي وراسين وهنريك أبسن وغيرهم.

أما في السينما العالمية فلم يقدم راتب أدواراً بهذا الحجم، إلا أنه شارك في أعمال لها أهميتها مثل «ترابيزا» الذي تدور أحداثه في عالم السيرك، وشارك فيه كبار السينما الأميركية والأوروبية مثل بيرت لانكستر وتوني كيرتس وجينا لولو بريجيدا، كذلك شارك في الفيلم الشهير «لورانس العرب» إخراج ديفيد لين عام 1962، وهو أحد الأفلام المبكرة التي قدمت بقوة الممثل المصري عمر الشريف للسينما العالمية.

شارك راتب أيضاً في الفيلم الفرنسي الكوميدي «مغامرة شانزليزيه» إخراج روجيه بلان عام 1957، وجاء اسمه الثالث في العناوين بعد النجمة فرانسواز فابيان وجان تيسييه.

لما يقرب من عقد ونصف العقد، انشغل راتب بين المسرح في فرنسا والسينما المصرية، إلى أن عاد إلى السينما الفرنسية في فيلم بارز هو «نجمة الشمال» إخراج بيير غارنييه عام 1982، كذلك شارك في تمثيل الأفلام الفرنسية «حتى طرف الليل» (1995)، و{ليلة القدر» (1999)، و{تأهب» (2000)، و{الرقصة الثالثة» و{رأس الخدعة» عام 2010، و{غيمة في كوب ماء» عام 2011، إلى جانب الفيلم الفرنسي الألماني «زينا فارسة الأطلسي» الذي يتناول موضوعاً عربياً.

استطاع جميل راتب، برهافة وثقافة عميقة، أن يقدم أداء سينمائياً دقيقاً، يعبر بالخلجة والإحساس الداخلي، بالإيماءة والنظرة، أمام كاميرا الفن السابع، في الوقت ذاته الذي قدم العروض المسرحية الكبرى، بأداء لماح يناسب خشبة المسرح أكثر من السينما.

جميل راتب هو الموهوب الكبير، الذي يستحق أعمق التقدير وأكثر من تكريم.

back to top