السعودية وسياسة العين الحمراء

نشر في 21-07-2011
آخر تحديث 21-07-2011 | 00:01
No Image Caption
 نايف بندر اللافي شكل خروج الرئيس حسني مبارك من الرئاسة في مصر زلزالا جيوسياساً هز أركان التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة العربية ككل، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، فمصر بقوتها العسكرية وتعدادها السكاني، وحضورها على المستوى العالمي تشكل امتداداً استراتيجياً لدول الخليج، وما العلاقات الاقتصادية والسياحية والعدد الهائل من العمالة المصرية في دول الخليج إلا تأكيد لهذه العلاقة المتميزة.

بعد ثورة الحرية المصرية وخروج الرئيس حسني مبارك، وجدت دول الخليج نفسها في وضع صعب، فقد خرج حليف استراتيجي وخلف وراءه فوضى في مصر لا يمكن الجزم إلى متى ستستمر، في حين أن التجاذبات السياسية وأطماع الجيران زادت للاستفادة من الفرص التي توفرها ثورة الربيع العربي في تعزيز بعض الدول لمكاسبها على حساب دول أخرى.

من هنا وجدنا تغييراً جذرياً بدأ بالتشكل في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج، فبعد أن كانت السمعة الغالبة على السياسة الخارجية هي السياسة المحافظة، وإبقاء التصريحات والرسائل السياسية خلف أبواب مغلقة، ومحاولة رأب الصدع والسعي إلى الصلح وعدم الانجرار وراء ردود الأفعال، نجد أن السياسة الجديدة الآخذة في التشكل هي سياسة إظهار القوة، واستخدام الرسائل العلنية، والتخلي شيئاً فشيئاً عن طابع المحافظة. يبدو هذا جلياً في الاتفاق بين السعودية وباكستان في مارس الماضي، والذي رشح عنه تغطيته للدعم العسكري والنووي للسعودية في حالة تعرضها لأي خطر، يليه الإسناد العسكري لدرع الجزيرة لأشقائهم في البحرين بعد طلب حكومة البحرين ذلك، في فرد للعضلات ورسالة علنية واضحة لإيران يندر وجودها في السياسة الخليجية.

ثم تلك الوساطة الخليجية المتميزة والتي مازالت مستمرة لاحتواء الوضع المتفجر في اليمن، فقد عمل وزراء خارجية مجلس التعاون بجد ووضعوا كامل طاقاتهم من أجل الوصول إلى تسوية سلمية في اليمن تؤمن تطلعات الشعب اليمني وتحفظ له أمنه وسلامته وسلامة الحدود الجنوبية لمجلس التعاون الخليجي.

ربما كان أكثر ما يسلط الضوء على التحول في السياسة الخارجية الخليجية والسعودية بالذات، هو ذلك الحديث الذي أدلى به الأمير تركي الفيصل، السفير السعودي السابق في كل من بريطانيا وأميركا والرئيس السابق للاستخبارات السعودية، إلى تجمع خاص من الضباط الأميركيين والبريطانيين في قاعدة خاصة لقوات الناتو في بريطانيا، والتي شرح فيها سياسة المملكة الأمنية للسنوات القادمة، إذ أكد الأمير تركي أن إيران هي أحد أكبر أسباب عدم الاستقرار في المنطقة، وأن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التهديدات الإيرانية.

وأوضح أنه إذا ما قامت إيران بتطوير قدرتها النووية فإن السعودية ستضطر إلى اتخاذ إجراءات مضادة قد يكون لها نتائج كارثية في المنطقة، قاصداً بذلك توجه السعودية إلى تطوير قدراتها النووية، بل إنه وجه رسائل تحذير إلى إيران قائلا إن إيران «نمر من ورق» وإن الحكومة الإيرانية لا تكاد تسيطر على الأوضاع الداخلية التي تكاد تنفجر بسبب المشاكل الاقتصادية التي يعانيها الشعب الإيراني، وأضاف بلغة واضحة وصريحة أن السعودية قادرة على فرض عقوبات مالية على إيران يمكن أن تؤدي إلى إنهيار حكومتها إذا ما استمرت إيران في سياسة التهديد، إلا أنه أكد أن العقوبات الاقتصادية العالمية الحالية تؤتي ثمارها، ولا يرى حاجة إلى أن توجه الدول العظمى ضربة عسكرية لإيران في الوقت الحالي.

ربما كانت الأحداث المتسارعة في العالم سيئة في مجملها على الاستقرار في المنطقة لكننا لا يمكن أن نتغاضى عن النتيجة الإيجابية، وهي تقارب دول الخليج وتوحيد سياساتها واتخاذها موقف المبادر الإيجابي، والذي يعيد صياغة الأحداث لمصلحته بعد أن كانت السمة العامة هي سياسة التحفظ وردود الأفعال بما يذكرنا حتما بقول الشاعر العربي في مدحه للصعوبات «جزى الله الشدائد كل خير».

back to top