سقوط القتلى مثل سقوط المطر!


نشر في 01-03-2011
آخر تحديث 01-03-2011 | 00:01
 خلف الحربي هذه الأمة لا تستحي ولا تنتخي... وإلا فكيف يقبل الضمير العربي أن تتنافس الدول العربية في أعداد القتلى المدنيين خلال الاحتجاجات الشعبية؟ في كل يوم تظهر أعداد القتلى في سورية وليبيا واليمن من خلال الشريط الإخباري للقنوات الفضائية، ويتعامل المشاهدون العرب مع هذه الأرقام مثلما يتعاملون مع درجات الحرارة!

لقد تحولت حياة الإنسان إلى شيء لا قيمة له بفضل الثقافة القمعية التي سحقت إرادة الناس ومسحت شخصياتهم بالبلاط منذ بداية تكوّن الدول العربية بكياناتها الحديثة, فنحن حين نقرأ خبراً عن سقوط 60 قتيلاً خلال مظاهرة احتجاجية في سورية - على سبيل المثال- نتعامل مع هذا الرقم وفق واحد من اعتبارين لا ثالث لهما: فإما أن ننظر إليه باعتباره أقل من الأرقام المرعبة التي تصاحب أعداد القتلى في ليبيا، وإما أن نتعامل معه باعتبار أنه أعلى بكثير من أعداد القتلى في مظاهرات اليمن.

خيالنا البسيط الذي رسمت حدوده أجهزة المباحث من ولادتنا لا يسمح لنا أن نرى أن كل واحد من القتلى الستين له زوجة وأولاد وأم ثكلى وأب عجوز لم يستوعب أن هذا الفتى الذي كبر أمام عينيه اختفى بغمضة عين, يستحيل أن تمتد تصوراتنا كي نعرف مصير كل بنت وكل ولد من أبناء القتلى.

نشعر أننا لا نملك الوقت الكافي لمتابعة فصول الحياة التعيسة المحطمة التي سيعيشها كل طفل قُتل أبوه برصاصة شرطي لا يعرف الرحمة, ويشق علينا أن نتفهم الظروف القاسية التي ستعبث بكيان كل فتاة دهست سيارات القوات الخاصة والدها بكل برود وكأنه بكتيريا غير مرئية لا تستحق الحياة وليس كائناً بشرياً كان يمتلئ محيطه بالحياة والقصص قبل ساعات من لحظة الدهس.

لقد أصبح سقوط القتلى مثل سقوط المطر, وأصبحنا نتعامل مع نشرات الموت مثلما نتعامل مع نشرات الطقس, لم نعد نفرق بين عبارة: «هبت رياح شرقية» وعبارة: «قتل 10 أشخاص برصاص قوى الأمن», وَقْع العبارتين متشابه تماماً بالنسبة لنا, وإذا أردتم الحق فإننا نعيش هذا التبلد الإنساني منذ زمن بعيد، ولكننا كنا نشعر أن هذه المجازر اليومية لا تستحق الذكر أصلاً, غير أننا بفضل العولمة واتصالنا بالعالم الحر تطورنا قليلاً وتحضرنا قليلاً وأصبحنا نعترف بوجود بشر يقتلون مجاناً, ولكن هذا الاعتراف لا يعني إطلاقا أننا أصبحنا آدميين إلى درجة أننا نتألم لموت الإنسان بهذه الطريقة الفاضحة.

بل إن أقواماً منّا وصل بها الأمر إلى درجة محاولة تبرير عمليات القتل هذه من خلال مقارنتها بجرائم أميركا وإسرائيل في الوطن العربي! والمصيبة أن هؤلاء المبررين صحافيون كبار ومثقفون مرموقون وسياسيون لهم ثقلهم وشخصيات دينية واجتماعية وحقوقية بارزة!... ما هذا؟!

هل وصل بنا النفاق والخنوع إلى الحد الذي نقول فيه إن الجيش الوطني أقل خطراً على الشعب المسكين من جيوش الأعداء؟

وكيف يتجرأ الصحافي أو المثقف على تجاهل جرائم هذه الأنظمة الفاجرة بل وتبرير هذه الجرائم من خلال الترويج لأكذوبة «الاستقرار»؟

أي استقرار هذا الذي تستقر فيه الرصاصة في المخازن حين يعبث الأعادي بسيادة البلاد، بينما تستقر الرصاصة ذاتها في قلب طالب جامعي حين تتعالى أصوات المطالبة بالحرية؟

لابد أنكم أغمضتم أعينكم يوما ما وتخيلتم سقوط المطر... أعيدوا التجربة الطفولية المثيرة وأغمضوا أعينكم وتخيلوا مصير عائلة قتيل واحد من مئات القتلى المدنيين الذين يسقطون يومياً في الشارع العربي كي تتيقنوا فعلاً أننا أمة فاجرة لا تستحي ولا تنتخي.

back to top