البلطجية في كل مكان!

نشر في 27-03-2011
آخر تحديث 27-03-2011 | 00:00
 خلف الحربي منذ هجوم «البلطجية» بالجمال والخيول على متظاهري ميدان «التحرير» في القاهرة وظاهرة «البلطجية» تزداد يوما بعد آخر في جميع الدول العربية دون استثناء، حيث لم تعد الأنظمة العربية تعتمد على أجهزتها الأمنية في قمع المتظاهرين قبل اعتمادها على هذه الكائنات الغريبة التي تحمل الهراوات وتقذف المتظاهرين بالحجارة، وتبلغ حدا من المزايدة يدفع العديد من الأجهزة الأمنية العربية إلى إبعادهم بالقوة حفاظا على سلامة المتظاهرين.

وقد كنت أظن في البداية أن «البلطجية» لا يتعدون كونهم مجموعة من الرجال المفتولي العضلات الذين تستأجرهم السلطة لقمع المتظاهرين نيابة عنها كي لا تتحمل مسؤولية أي إصابات تنتج عن عمليات القمع، وكي ترسل رسالة إلى العالم أنها تحظى بتأييد شعبي يمنحها شرعية البقاء، ولكن ما حدث في العديد من الدول العربية أثبت أن «البلطجة» ليست ظاهرة جسدية فقط، بل تحولت إلى ظاهرة فكرية وإعلامية لا يستهان بها بعد أن انضم إليها عدد من رجال الدين وبعض الأسماء الليبرالية البارزة، بالإضافة إلى مجموعة من الصحافيين والفنانين الذين يقولون كلاما يستحي أن يقوله أشرس ضباط المخابرات.

وقد انضم إلى هؤلاء الكتاب والمفكرين «البلطجية» حشد كبير جدا من «بلطجية» الإنترنت الذين يبثون الرسائل القمعية عبر المجموعات البريدية، ويهاجمون كل من تسول له نفسه انتقاد السلطات العربية من خلال منتديات الإنترنت أو عبر «الفيس بوك». وإذا كان أغلب هؤلاء «البلطجية» قد قبضوا مقدما ثمن «البلطجة» السافرة التي يقومون بها فإن ثمة «بلطجية» بُله يقومون بهذا العمل اعتقادا منهم أنهم يخدمون أوطانهم ويسعون إلى إبعادها عن الأخطار المحدقة بها... صحيح أنه لا يمكن قبول صورة «البلطجي» حسن النية، ولكن ثمة عدد لا بأس به من «البلطجية» ينطلقون من نوايا حسنة بالفعل، وهؤلاء أخطر بكثير من «البلطجية» المدفوعي الثمن لأنهم يخلطون الحابل بالنابل، وينظرون إلى الحرية باعتبارها شرا مستطيرا لا بد من مقاومته حتى الموت.

أما أسوأ أنواع «البلطجية» فهم «بلطجية البوصلة»، فهؤلاء يؤيدون الثورات الاحتجاجية في بلد عربي ما ويرفضونها في بلد آخر، ويتفننون في سرد الحجج العجيبة التي يحاولون من خلالها إخفاء تناقضهم البشع، وتقليب مبادئهم المطاطية المثيرة للضحك.

كيف يكون الليبرالي ليبراليا وهو لا يستحي من «البلطجة»؟ وكيف يكون رجل الدين صادقا في نيته، وهو يمارس «البلطجة» جهارا نهارا؟ وكيف يكون الصحافي ملتزما بشرف المهنة وهو يعادي الحريات؟... سحقا لـ»البلطجية» فهم أسوأ بكثير من الطغاة.

* كاتب سعودي

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top