خذ وخل: رجعوا التلامذة للجد تاني

نشر في 31-01-2011
آخر تحديث 31-01-2011 | 00:01
 سليمان الفهد إن احتفائي بما يحدث في مصر مرده يقيني الجازم بأنها بمنزلة القلب لأمة العرب، وأن ما يتم فيها سيؤثر بالضرورة في بقية الأقطار العربية، ومن هنا تكمن أهمية تداعي الأقطار الشقيقة لأيام الغضب المصرية بالدعم والتأييد المادي والمعنوي سواء، لأنه حق وواجب علينا تجاه مصر العروبة التي ضحت بالغالي والنفيس لنصرتنا في كل محنة ابتلينا بها، في الأيام الخوالي! • أن يهرع السياح إلى المطارات والموانئ سعيا للعودة إلى بلادهم فلا لوم عليهم ولا تثريب؛ لأنهم جاؤوا إلى مصر بقصد السياحة بتأشيرة ربانية تتبدى في قوله تعالى «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ»، أما الذين وفدوا إلى المحروسة لغرض الإقامة فلا معنى لمغادرتهم إياها وقت الشدائد والمحن، أقول ذلك خصوصا لكل الأحبة الذين بادروا بالاتصال لحثي- وبعلتي- على المغادرة طلباً للسلامة والأمان!

لست ألمح إلى موقف فروسي وشجاع أدبجه في سياق مدح الذات وتزكيتها لا سمح الله! غاية ما هنالك هو يقين الشياب العجائز بأن الأجل محتوم، وأينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج محصنة مضادة للرصاص و»الكنابل» كما ينعت أبناء البلد هنا القنابل!

ووجدتني أنأى عن وسائل الاتصال كافة، وألوذ بإبداع الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم المتناغم تماماً مع نبض مصر في هذه الأيام، وهاكم هذه مثلا: «رجعوا التلامذة، يا عم حمزة، للجد تاني، يا مصر إنتي اللي باقية وإنتي قطف الأماني...». وكأن القصيدة خارجة من رحم الغضب الشعبي العارم الذي ينبض في شرايين مصر كلها. ومثلها تماما قصيدة «غنوة للشباب، التي لعلع بها الشاعر والمغني 1980 «هللي يا سمش البشاير، طابت وآن الأوان، طلّي وحِلّي الستاير، نور الأشاير يبان، وارخي الضفاير مناير، فوق الزمان والمكان، مصر الشباب العزيزة، قامت وكان اللي كان».

• ولأن الظروف والممارسات التي حرضت الشاعر على إبداع قصائده الوطنية ما برحت قائمة يغدو بدهيا اللعلعة بها من قبل الشعب الغاضب، ولسان حاله يقول ما أشبه اليوم بالبارحة! ومن هنا حري بالقيمين على أم الدنيا الاستجابة لمطالب الشعب المعلنة جهاراً. ذلك أن التسويف والاحتفاء بالمسكنات لا يؤديان إلى طائل، كما تفيد مجريات أيام الغضب بتبدياتها كافة، ولا تحتاج إلى إشارة لكون العالم كله يتابع وقائعها على الهواء مباشرة!

من هنا كنت أتمنى لو أن الإعلام المصري الذي حرص على نقل الأحداث تلفزياً، أن يسحب البساط من الإعلام غير المصري الذي عُني بقدسية الأخبار، وحرية التعليق عليها! خصوصاً أن اللقطات التلفزيونية الحية شديدة البلاغة، ولا تحتاج إلى هذرة خاوية تتناشز مع حديث الصورة الحية! بعبارة أخرى أقول: إن الردة صوب قيم وتقاليد إعلام الستينيات في الألفية الثالثة، حيث العالم «قرية»، يعد من قبيل العبث الذي لا ولن ينطلي على أحد!

إن احتفائي بما يحدث في مصر مرده يقيني الجازم بأنها بمنزلة القلب لأمة العرب، وأن ما يتم فيها- سلبا وإيجابا- سيؤثر بالضرورة في بقية الأقطار العربية، ومن هنا تكمن أهمية تداعي الأقطار الشقيقة لأيام الغضب المصرية بالدعم والتأييد المادي والمعنوي سواء، لأنه حق وواجب علينا- نحن معشر العرب- تجاه مصر العروبة التي ضحت بالغالي والنفيس لنصرتنا في كل محنة ابتلينا بها، في الأيام الخوالي!

ولعل خير ما أختم به هذه الخاطرة العجلى، هذه الأبيات التي اخترتها من قصيدة «آدي مصر» الطويلة جدا:

«شفنا الوطن فكرة، مرسومة على بكرة، ونبشنا الدفاتر من سالف الأزمان. وكشفنا سر الطبيعة بالعقل والبرهان، وشفنا فين الحقيقة والكذب والبهتان. فقلنا ننده لبكره، يمكن هلاله يبان. حامت علينا الحدادي وقنابل الدخان. وطوقونا العساكر ع الكوبري والطوفان. ردوا علينا الأغاني بالضرب في المليان! سقط شبابنا المصحصح، في النيل ومات غرقان، تبكي عليه النوارس، ويعيط أبوقردان. كتمنا جرح الوجيعة بين الضلوع دفان، ورجعنا ننده لبكره ونخوف السلطان، وقدرنا نحشد وننشد ونغني للإنسان. ورمش عين الحبيبة يفرش على فدان...».

ولتكتمل صورة هذه الخاطرة أختم- أخيرا- بقطفة من مقدمة كتاب «مصر المحروسة: رؤية ومنهاج للتغيير الديمقراطي وإعادة البناء» (دار ميريت بالقاهرة 2007) يقول الأستاذ الدكتور علي السلمي في مقدمة كتابه المذكور آنفا: «إن المصريين يدركون عمق وخطورة المشكلات التي يعيشونها، ويكابدون آثارها، ويتحملون أعباءها، لذا فهم يتطلعون إلى التغيير والإصلاح في جميع جوانب ومجالات الحياة والحكم والمجتمع. وفي الوقت نفسه تتعاظم المشكلات الداخلية، ويتنافى الشعور بتباعد خطوات الإصلاح الدستوري، وتباطؤ نظام الحكم في تنفيذ وعوده بالإصلاح- بل ونكوصه عما وعده به من إصلاحات سياسية أثناء حملة انتخابات الرئاسة 2005 - مما يجعل مصر تتوق إلى الخروج من أزمتها، والانطلاق إلى آفاق التنمية الرحبة، وتأمل في إقامة مجتمع تسوده الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون، ويتمتع فيه أبناؤها بالحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والمساواة في الفرص والحقوق والواجبات...».

back to top