في انتظار الأزمة الوشيكة

نشر في 10-06-2009
آخر تحديث 10-06-2009 | 00:00
 بلال خبيز انتهت الانتخابات النيابية في لبنان واستولدت الأزمة. اللبنانيون قبيل موعد هذه الانتخابات كانوا قد أعدوا العدة لأيام صعبة وقاسية، وكثيرون منهم هرعوا قبيل يوم الأحد الماضي إلى تخزين ما أمكنهم من المواد الغذائية في بيوتهم تحسباً لحصول أحداث أمنية خطيرة على خلفية الانتخابات قبل إعلان النتائج وبعدها، والكثيرون منهم أملوا في أن تغير الانتخابات التي حصلت في الوضع الراكد الراهن تغييراً حاسماً، من قبيل أن يهزم طرف الطرف الآخر هزيمة ساحقة في كل مكان، بما ينهي الأزمة ويضع البلاد على سكة الاستقرار، لكن الأملين خابا، شأن آمال اللبنانيين دائماً.

لم يدخل لبنان مع انتهاء عملية الاقتراع في نفق حرب أهلية حامية، لكن التنافر لم ينته، أما الحديث عن تقبل نتائج الانتخابات والعمل بمقتضاها فحديث ليل، يأتي النهار التالي ليمحوه محواً تاماً، ولابد أن القوى اللبنانية المتنافرة التي لا يجمع بينها جامع من أي نوع، ستجد لنفسها محطة جديدة وتاريخاً جديداً كسقف زمني وسياسي يتم تصعيد الصراع لبلوغه.

الأرجح أن المحطة التالية من محطات الصراع الأهلي ستكون تشكيل الحكومة، بثلث معطل أم بغير ثلث معطل، وعلى إنجاز هذه المحطة سيتمحور اللبنانيون مرة أخرى ويصطفون ويتصارعون، ولن يصل البلد إلى موعد استحقاقه إلا وهو منهك وعلى حافة الهاوية تماماً، ومثلما كلف انتخاب رئيس جديد للبنان بعد انتهاء مدة ولاية الرئيس السابق إميل لحود اجتياحاً عسكريا لبيروت واشتباكات بالمدفعية والرشاشات الثقيلة في جبل لبنان، فإن استحقاق الانتخابات النيابية كلفت البلد معارك إعلامية واتهامات تخوينية وتهديدات بتكرار ما حدث في 7 مايو العام الماضي من اجتياح للعاصمة، إلى حد شعر معه عامة اللبنانيين أن هذه الانتخابات ليست إلا مناسبة للاقتراع بالسلاح.

وعلى أي حال لم يخل اليوم الانتخابي اللبناني من مناوشات أهلية بلغت أحيانا حداً حساساً، حين حاول بعض الشبان على الدراجات النارية اقتحام منطقة عين الرمانة المسيحية المواجهة لمنطقة الشياح ذات الأغلبية الشيعية، وتصدى لهم شبان الحي، إلى أن فرقت القوى الأمنية بين الطرفين. كذلك فإن الأيام المقبلة لن تحمل للبنانيين سبباً للاستقرار وحط رحال الأزمة، بل إن القوى المتصارعة ستعاود سيرتها في التصعيد المتبادل على أبواب تشكيل الحكومة الجديدة، ووضع الشروط والشروط المضادة، إلى حد أن تشكيل الحكومة لن يمر على الأرجح من دون توتير كبير يوصل البلاد مرة أخرى إلى حافة الانفجار قبل أن تستقر المعركة على تسوية موقتة هي مجرد فاصلة بين جولتين.

إن ما يحصل في لبنان ليس أقل من انقسام حاسم بين قوتين حاشدتين تنتظران الإشارة الخارجية التي تعلن أن زمن الحسم قد أزف ليغرق الجميع في بحر من الفوضى التي سيكون خراب لبنان جميعه من بعض نتائجها.

كذلك لم يدخل لبنان مع انتهاء اليوم الانتخابي الطويل وإعلان النتائج في مرحلة مستقرة، تستكين فيها الأقلية وتلتزم نتائج الانتخابات وتسمح للأكثرية أن تمارس الحكم، ذلك أن تفسير الأكثرية والأقلية في لبنان رجراج ومطاط، فلا الأقلية مقتنعة بأنها أقلية ولا الأكثرية قادرة على التصرف بوصفها أكثرية.

لقد ذهب اللبنانيون إلى الاقتراع بعد شهور من التعبئة والتحريض، وعادوا من يوم الاقتراع بالنتيجة نفسها. الفائز يعتبر أن الظروف التي أدت إلى فوزه هي الظروف الطبيعية والملزمة للجميع، والخاسر يعتقد أنه خسر الانتخابات بخدعة القانون الانتخابي، وأن قانوناً آخر كان سينتج أكثرية من نوع آخر، وتالياً لم يخسر الخاسر أكثريته الفعلية، لكنه خسرها بسبب القانون. والنتيجة التي تظهر بوادرها منذ اليوم: الأقلية البرلمانية لا تعتبر نفسها أقلية، بل أكثرية مخدوعة، كما كانت الحال عليه بعد انتخابات العام 2005. حين لم يكف «حزب الله» وحلفاؤه عن تكرار لازمة أنهم لن يكرروا غلطة التحالف الرباعي الذي ضم تحالفاً عريضاً في مواجهة تيار الجنرال ميشال عون. في حين أن هذا التحالف نفسه كان سبباً من الأسباب الحاسمة في تصدر الجنرال ميشال عون المشهد المسيحي انتخابياً في العام 2005، وهو الذي أصبح في ما بعد حليفاً موثوقاً لقوى الثامن من آذار -مارس.

الانتخابات اللبنانية لن تنتج اصطفافا جديدا، على الأرجح ثمة استئناف للمعركة نفسها، بواسطة القوى إياها. أما المتقلبون في هذه المعركة وغيرها من المعارك، فيجدر بهم أن يعرفوا أنهم يقعون في الموقع الخاسر دائماً. أكان المتقلب من وزن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، شعبياً وتاريخياً وفي مستوى دهائه وحنكته، أم كان المتقلب من طينة الجنرال ميشال عون، صلباً وعنيداً وقادراً على امتحان الصعوبات.

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top