عرس الزين

نشر في 09-04-2010
آخر تحديث 09-04-2010 | 00:00
 فالح ماجد المطيري يعد المرحوم «الطيب صالح» من أبرز من كتبوا في الرواية العربية، وحققت أعمالة الروائية حضورا لافتا، عربيا ودوليا، من خارج كتّاب «دول المحور» المتسيدة سياسيا وثقافيا، وهي سيادة كان لها ما يبررها في السنين الماضية، ولكن في وقتنا الحالي ومع تغير المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فُرض واقع ثقافي لا محور فيه ولا هامش، ومع ذلك مازال البعض يتشبث بالإرث القديم، وكان أوضح تعبير له ردة الفعل السلبية والمشككة من قبل بعض من مازالت تتملكهم أوهام «المحور» و«الهامش» بأحقية الروائي «الخليجي» عبده خال بجائزة البوكر العربية.

ويتجلى إبداع «الزول الطيب» في رواية «عرس الزين» بالتقاطه حدثا عاديا وبسيطا يتكرر يوميا في حياة العشرات «العرس»، والانطلاق منه إلى أجواء مليئة بالخيال الممتع، وصور من خلال هذا الحدث البسيط واقع تلك القرية الصغيرة، التي أهمل ناسها- كبيرهم وصغيرهم- أعمالهم ومصالحهم، ولم يعد يشغلهم إلا «عرس الزين»، وقدم المجتمع بمختلف أشكاله والحراك الذي يحكمه، وحدد مصيره فيما بعد.

في كل مرة أعيد قراءة هذه الرواية، يحلق بي «الزول» بأجواء ومشاهد أسطورية تطغى عليها النزعة الصوفية بتجسيده أنماطا مختلفة من البشر، في جدل الماضي والحاضر والمستقبل بتفاعل عميق مع موروثات التاريخ الثقافي المحلى، وتمتزج الصوفية مع الإبداع في فلسفة «الطيب» من خلال استخدامه للجدلية والرمزية في تصويره «للعريس الزين»، فبرغم شكله الخارجي القبيح وهيئته المزرية، فإنه في داخله يحمل معاني كبيرة للجمال ونقاء للسريرة، فمع تعدد علاقاته «كحبيب» إلا أن نفسه لم تكن أمارة بالسوء، بالإضافة الى علاقات الصداقة التي تربطه مع بسطاء القرية «الأطرش والأعرج والمشوه» ومساعدته الدائمة لهم، وهنا يعبر «الطيب صالح» عن حلمه، فبرغم القبح الخارجي والظاهر للواقع– الذي يعبر عنه الزين- فإنه غاص في داخله بحثا عن الجمال والأمل، ويمكن أن نفهم رمزية «الزول الطيب» إذا أخذنا في الاعتبار المرحلة التاريخية التي كتبت فيها الرواية، وقد كانت مرحلة واقع سيئ في السودان، فكان حلم الكاتب وأبناء جيله أن تنتج هذه الفترة السيئة من داخلها واقعا جميلا.

ويعزو البعض التناقض الظاهر بين داخل «الزين» وخارجه، الذي يرمز به الطيب صالح إلى أن الواقع المتناقض لا ينتج إلا أشخاصا متناقضين، فالناس أبناء واقعهم، فالقرية «على صغرها» مليئة بالمتناقضات والمتضادات ومنقسمة إلى فرق ومعسكرات، تتصارع على القوة والنفوذ، وكل فريق له أتباعه ومريدوه، فهناك إمام المسجد بقدسيته الدينية وفريقه، والتاجر بقوته المالية وفريقه، وفريق العقلاء المحتكرين لمعنى الحكمة، وفريق الشباب الطامحين، وفريق المتمردين على واقع القرية، أما «الزين» بزواجه من «نعمة» بنت الأصل والمال فسيصبح فريقا لوحده له أتباعه ومريدوه.

المبدع المختفي «خالد الصديق» أخرج هذه الرواية فيلما حقق نجاحا في وقته، وكان «الصديق» يحمل آمالا بصناعة مشروع سينما كويتية، ولكن لأن الإبداع وأهله لا مكان لهما في وطني، فقد وئدت تلك التجربة في بداياتها، وأتساءل أحيانا هل تجاوزت عدسة خالد الصديق حدود «اللوكيشن» في ذلك الوقت لتصور واقعنا الحالي؟

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top