وجه أوباما


نشر في 03-06-2009
آخر تحديث 03-06-2009 | 00:00
 د. مأمون فندي في لقاء مع شبكة الأخبار الأميركية «سي إن إن» سألتني مقدمة البرنامج الصباحي زين فيرجي عن أهم ما في زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للشرق الأوسط، قلت لها ودونما تفكير أو تردد، إنه وجه أوباما، لا شيء غيره. زيارة أوباما إلى مصر ربما هي الزيارة الثالثة لرئيس أميركي لمصر في التاريخ القريب الذي يذكره الأحياء، بعد زيارة الرئيس الراحل نيكسون لمصر في السبعينيات من القرن الماضي، هذا إذا اعتبرنا زيارة جورج بوش الابن القصيرة إلى شرم الشيخ والتي لم تتجاوز الساعات الثلاث في عداد الزيارات وإذا تجاهلنا زيارة روزفلت الليلية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وجه نيكسون، كما وجه روزفلت، كان وجه «الخواجة» الأبيض المرتبط في الذهنية المصرية بوجه الاستعمار والاحتلال، أما وجه أوباما فهو يشبه الكثير من وجوه عباد الله السائرين في شوارع القاهرة، وربما تندهش ميشيل أوباما زوجة الرئيس الأميركي من رؤية هذا الكم الهائل من البشر الذين يشبهون زوجها في مصر.

أما ميشيل أوباما فهي تشبه نصف بنات الصعيد الجواني، دعك عن بنات الخليج والسودان والسنغال ومسلمي إفريقيا، لكن حظنا التعيس في مصر كتب علينا أن نشاهد على تلفزيوناتنا الوجه الأبيض من بقايا الأتراك والشركس وترسخت صورتهم لتصبح رمزاً للجمال. ميشيل تشبه الكثيرات من بنات «قبلي» وزوجها يشبه نصف الشباب في مصر وفي العالم العربي. مجرد مرور أوباما وميشيل في العالم العربي سيمنح كثيراً من الشباب والأطفال الأمل في أن يكونوا شيئاً ما في يوم من الأيام، ويقتنعون بأن كل شيء ممكن، ربما رؤية هذين الوجهين الأسمرين لساعات في مصر قد تمنح الغلابة ثقة في أنفسهم وفي وجوههم وملامحهم، خصوصاً إذا عرفنا أن الغرب يضع ميشيل أوباما ضمن أجمل مئة امرأة في العالم.

رئيس أميركي يشبهنا... قد يكون الأمر مربكاً لثقافة تعودت أن تنظر بعين الإكبار للرجل الأبيض، ربما لا يرى البعض منا في أوباما رئيساً حقيقياً للولايات المتحدة الأميركية، ببساطة لأنه يشبه وجوهنا نحن الذين جار الزمن كثيراً على معظمنا لدرجة لم نعد نرى فيها أن هناك شيئاً ما فينا يبعث على الأمل، لم نتعود أن تسود وجوهنا المشهد، وبالتالي يصعب علينا أن نرى في من يشبهوننا رمزاً لقيادة عالمية، فأوباما يشبه وجه الشاب النوبي الذي يقدم الطعام في الفنادق، أو البواب الصعيدي الذي يقف على مدخل العمارة، وأظن أن الكثير من الأمهات المصريات سيعقدن المقارنة بين وجوه أطفالهن التي لم يكن يرين فيها رمزاً للوسامة أو النجاح وبين وجه أوباما... ولكن لنتذكر أنه الرئيس الأميركي فعلا الذي يقود أكبر وأقوى دولة في العالم، وأن وجوهنا أيضا تصلح لأن تكون في موقع صناعة القرار العالمي. قد يقلِّب أوباما نظره في القاعة أثناء خطابه في جامعة القاهرة ليرى عشرات الوجوه ممن يشبهونه أو يشبهون أقاربه، وقد يخلق هذا عنده إحساساً فطرياً بالقرب، هذه الأحاسيس والانطباعات يجب ألا نقلل من قيمتها في عالم السياسة، فنحن في الغالب كبشر نتعاطف مع الوجوه التي تشبهنا.

المراقب من الخارج لحال العالمين العربي والإسلامي لا تفوته ملاحظة أن الصوت الأعلى في هذين العالمين هو الذي يرى أن أميركا لا يأتي منها سوى الشر، الأغلبية التي ترى في الشراكة مع أميركا خيراً يعود على العالم العربي أو العالم الإسلامي هي أغلبية مرتاحة لا تحتاج إلى علو الصوت أو الزعيق. إعلام التعبئة خلق حالة من الكراهية بين أميركا والعالم الإسلامي. جزء من هذه الكراهية مرتبط بالعالم الإسلامي وطبيعته السياسية، وجزء آخر يتحمل الأميركيون المسؤولية الكبرى عنه. هذا هو السياق الذي سيلقي باراك أوباما كلمته فيه، أي في جو يكون فيه الحوار حول أميركا والعالم الإسلامي بمجمله سلبياً.

من المهم أن يعرف الرئيس الأميركي أن خلطاً كبيراً قد حدث في العالم الإسلامي بين أميركا وإسرائيل، إذ لم يعد الخط الفاصل بينهما موجوداً في أذهان العوام. وفك الارتباط بين صورة أميركا وصورة إسرائيل في الذهنية العربية والإسلامية عموماً، هو التحدي الذي يواجه الرئيس الأميركي في خطابه المقبل في القاهرة. وإن لم يتطرق الرئيس الأميركي إلى هذه الجزئية في خطابه، يكون قد فشل في إبلاغ رسالته إلى العالم الإسلامي. ومن المهم أيضا أن يدرك الرئيس الأميركي الجديد أن الصراع العربي الإسرائيلي هو بؤرة كل الصراعات، وهو مفتاح الإصلاح في الداخل والخارج. حل القضية الفلسطينية سيوفر على أميركا عناءً وجهداً كبيرين في إصلاح المنطقة، لأنه متى ما سحبت ورقة فلسطين من الجماعات المتطرفة ومن الحكومات الاستبدادية، فسيتغير الحال.

قد يغفر العرب والمسلمون لرؤساء من «الخواجات» البيض عدم تعاطفهم مع قضايا مثل فلسطين، ولكنهم لن يغفروا ذلك لرئيس أميركي اسمه الثاني حسين، ووجهه وكذلك وجه زوجته يشبهان وجوهنا. وجها أوباما (الرئيس والزوجة) مكسب لأميركا في العالمين العربي والإسلامي، ولكنهما وجهان لهما فاتورة لابد من دفعها.

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS 

back to top