أميركا أميركا... انظري إلينا!

نشر في 24-06-2009
آخر تحديث 24-06-2009 | 00:00
 بلال خبيز إيران تتهم الدول الغربية بالتدخل في شؤونها الداخلية، والأميركيون يتناقشون في ما بينهم حول دورهم في كل ما يجري في إيران، جون ماكين يزعم أن انتصار الشعب الإيراني مرهون بصلابة موقف الشعب الأميركي، فيما يرى جون كيري، المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة الأميركية عام 2004، أن زعيق المحافظين في الكابيتول هيل أجبر أوباما على إعلان موقف يشجب فيه التزوير الذي حصل في الانتخابات. جون كيري والديمقراطيون يرون أنه من الأفضل، وخدمة للشعب الإيراني وقضيته أن تلزم أميركا جانب الحذر في تصريحاتها الرسمية وغير الرسمية، أما المحافظون فيعتقدون أن إشعار الشعب الإيراني بالدعم الأميركي يجعلهم أكثر صلابة وأقل خوفاً في المواجهة، باعتبار أنهم ليسوا وحيدين في العالم، ومستفردين أمام آلة قمع سافرة.

والحق أن ما يدور من مناقشات في أميركا لا يقدم ولا يؤخر في قضية الشعب الإيراني عموماً. لكن أميركا قادرة على التأثير من دون شك في ما يجري ولو لم ترد ذلك، بل إن المتظاهرين أنفسهم يصورون التظاهرات وأحداث العنف التي تحصل بكاميرات الهواتف النقالة، وينشرونها على شبكة الإنترنت أملاً في استصدار مزيد من الدعم العالمي، وفي جعل قضيتهم حية لدى الرأي العام العالمي.

الذين يخوضون صراعات مماثلة، يعرفون أن الدعم الأميركي الصريح قد يضر بقضيتهم، مثلما أن استفرادهم وتركهم وحيدين في مواجهة غول القمع يؤدي إلى تحويلهم أضحيات بشرية، ويهدر دماءهم وآمالهم ومستقبلهم. وهذا مثلما يعرف الذين عايشوا وعانوا أوضاعا مماثلة يؤخر التغيير أجيالاً. إذ لو نجحت أداة القمع في فرض منطقها على المتظاهرين، فلن يستطيع أي كان التظاهر في إيران لفترة طويلة مقبلة. وأغلب الظن أن الأزمة الإيرانية ليست أزمة عابرة، وهي كمثل كل الأزمات المشابهة، لها مركز انطلاق وثقل، ولها حواش وأطراف. من أطرافها هؤلاء الطلاب والطالبات الذين يتظاهرون من أجل الحرية في المأكل والملبس والمعتقد، ومن مراكزها أنها أزمة نظام، وفي الحالين ثمة تأثير أميركي على ما يجري في إيران لا يرقى إليه شك.

تؤثر أميركا في حواشي الثورة الإيرانية، لأنها مثال الأفراد في العيش أحراراً في مأكلهم وملبسهم ومعتقدهم وجنسهم ولونهم ودينهم، تحت حماية القانون. والمعنى أن النظام الإيراني لا يفرض منطقه السياسي والاقتصادي على شعبه وحسب، بل يفرض عليه نمط الحياة الذي يريده. وهذا في حد ذاته سبب من أسباب ضيق الإيرانيين، خصوصاً الشباب منهم، من ضيق أفق النظام. حيث، وفي ظل هكذا أوضاع، لا يجد المرء مفراً من التفكير بأن حياته ومستقبله مجمدان، فيما العالم يتحرك قدماً في كل مكان. والحديث عن الحرية في هذا المجال هو حديث عن رغبة قاطعة في تجربة حظوظهم في المستقبل والحاضر على حد سواء. أميركا بالنسبة لهؤلاء هي المثال الأبرز على حرية الأفراد في اختيار نمط حياتهم، وفي تحقيق مستقبلهم، وهو ليس بالضرورة مستقبلاً مشرقاً.

من جهة ثانية، يرى جزء من النظام الرسمي الإيراني، أن مرحلة نجاد كانت مرحلة مقبولة في ظل إدارة جورج بوش، ذلك أن الهجوم الأميركي الذي قاده جورج بوش حول العالم، كان يستدعي نوعاً من الرد العنيف والمتصلب الذي مثله محمود أحمدي نجاد. وحيث إن أميركا انتخبت أوباما، وهو صاحب مشروع تواصل وتفاوض مع إيران وغيرها، فلم يعد، بحسب هذه الأوساط، ثمة داع لهذا الاستنفار الإيراني العسكري والأمني والدعائي والتحريضي الذي مثله محمود أحمدي نجاد. وتالياً ليس ثمة سبب للاستثمار الكبير في حركات عسكرية وأمنية خارج إيران، ما دامت وظيفتها العسكرية أصبحت في مهب الريح. مما يعني أن جزءاً أساسياً من النظام الإيراني يرى أن الحقبة النجادية كانت من ضرورات الرد على الحقبة البوشية، وحيث إن الحقبة البوشية انتهت، فلم يعد من سبب منطقي لاستمرار نجاد حاكماً وبقاء سياساته قيد التداول.

وربما يكون من اللافت للانتباه، أن مرشد الثورة الإمام علي خامنئي، لم يحمل الولايات المتحدة الأميركية حتى الآن مسؤولية التحريض عما يجري في إيران، في حين حمل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل طبعاً، مثل هذه المسؤوليات.

ليس خافياً أن أميركا تملك ثقلاً في كل مكان، وليس خافياً أيضاً أنها تؤثر على الإيرانيين كما تؤثر على الفرنسيين والبريطانيين. لكن سوء استخدام هذه السلطة الهائلة أحياناً يكاد يكون أحد أهم أسباب الأزمات التي تعصف في أرجاء العالم كل حين.

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top