الحل والحال: مولد في بحر وممات في ترعة

نشر في 25-09-2008
آخر تحديث 25-09-2008 | 00:00
 نادية علي الشراح ولدت التجربة الإسلامية والعربية في عهد العلوم والفنون والتسامح، عندما انفتحت على محيط من حضارات العالم، ويبدو أنها سوف تغرق في ترعة أو بحيرة الانغلاق والتعصب وسيادة الفكر الجهادي، مثل أسمهان.

شعرت بحزن عميق وأنا أتابع مذكرات أسمهان التي عاصرت العمالقة أمثال سيد درويش وأم كلثوم وعبدالوهاب وفريد والسنباطي والقصبجي وفيروز، وهذا الشعور بالحزن يأتي لأن حياتها قصة تعليم وكفاح حقيقيين، أما صوتها فهو الخيال بعينه، سواء غنت الأغنية العاطفية «أسقنيها بأبي أنت وأمي»، أو الأغنية الدينية «عليك صلاة الله وسلامه شفاعة يا جد الحسنين».

ويأتي حين نشهد العائلة الدرزية وهي تندمج في المجتمع العربي المصري وتتسلق أسمهان مع أخيها فريد الأطرش قمة السلم الفني في مصر العمالقة، دون أن يترك ذلك حساسيات دينية أو عرقية، أو حتى غيرة وحسدا، باستثناء ما يحدث بين مواطني الدولة الواحدة.

ويأتي حين نشهد امرأة غريبة تشق طريقها في مجتمع محافظ دون أن يفتي أحد بإهدار دمها، كما أفتى أحدهم أخيرا بإهدار دم الفأر لأن الأطفال المسلمين بدؤوا يتشبهون بميكي ماوس.

لقد زادني حزن وأنا في طريقي إلى عملي في الصباح الباكر، وبعد سهرة جميلة مع مسلسل لأسمهان، أن أفتح الراديو وأسمع غناء النشاز، وأينما نذهب تحاصرنا أغاني الإيقاع الواحد وجملة اللحن الواحدة الرتيبة، وكلمات باهتة ومكررة، وصوت في معظم الأحيان بشع، وفيديو كليب بلا لون ولا طعم ولا مغزى.

عندما كانت أسمهان تغني، كانت تقارن بعظيمة أمتعت مجتمعها بأغنية «رق الحبيب وواعدني في يوم»، وهي كوكب الشرق أم كلثوم، ولم يسعفها عمرها القصير أن تجعل من المنافسة مع أم كلثوم طريق إبداع لكل منهما، ولو أتيح الصوتان لطاقم العباقرة من الملحنين والشعراء المحيط بهما، لأصبح في المكتبة العربية أضعاف الإرث العظيم الذي أتحفتنا به كلتاهما. دعونا نتخيل فقط، عندما تفرغ أحمد رامي ليتعلم الفارسية من الصغر ويترجم رباعيات الخيام ويعطيها لرياض السنباطي، وتقدمها تحفة في الإبداع الشعري واللحني والغنائي السيدة أم كلثوم، وماذا كان يمكن لأسمهان أن تقدم من روائع مماثلة.

ولدت أسمهان على متن سفينة في عرض البحر مغادرة أزمير، وماتت غرقا وهي في عقدها الثالث في ترعة صغيرة، ومثل أسمهان، ولدت التجربة الإسلامية والعربية في عهد العلوم والفنون والتسامح، عندما انفتحت على محيط من حضارات العالم، ويبدو أنها سوف تغرق في ترعة أو بحيرة الانغلاق والتعصب وسيادة الفكر الجهادي، ومن يريد إيهامنا بأن قتل الآخرين حياة لنا.

back to top