الحضارة عندما تخون صاحبها

نشر في 18-01-2009
آخر تحديث 18-01-2009 | 00:00
 نادية علي الشراح لم يحتجّ وزير الخارجية الألماني، وتوني بلير وباراك أوباما على حصار غزة، ولم تتحرك إنسانيتهم عندما ساءت أحوال غزة، ولم تبدُ على وجوههم، ولو من باب التمثيل، مسحة غضب أو خجل، وقتلى الفلسطينيين أكثر من 1000.

الاستماع إلى أجهزة الإعلام وهي تنقل ردود أفعال ثلاثة من سادة الحضارة في العالم على أحداث غزة، يتسبب بخلل صارخ في مفهوم تلك الحضارة: الأول لوزير الخارجية الألماني، والثاني لمبعوث اللجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط، توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق، والثالث كان للرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما.

بعد الإعلان عن مقتل أكثر من 1000 فلسطيني في اليوم الثاني والعشرين للعدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة، يقول وزير خارجية ألمانيا إنه يتفهم ما تقوم به إسرائيل في غزة، فلإسرائيل الحق في حماية مدنييها من صواريخ «حماس»، ومثله تماما يقول توني بلير، إنه لا معنى لوقف حرب الإبادة في غزة دون الوصول إلى حل دائم، فلا بد من وقف صواريخ «حماس» ولابد من وقف تهريب سلاح الأنفاق عليها، فإسرائيل لا تستطيع تحمل ضحايا من مدنييها، بينما يقول باراك أوباما بعد زيارة سابقة إلى جنوب إسرائيل بأنه لا يملك سوى أن يفعل ما تفعله إسرائيل لو كانت ابنتاه مهددتين بقصف ألعاب «حماس» النارية أو صواريخها البدائية، أما بنات الفلسطينيين فهن بنات (...).

لم يعتذر وزير الخارجية الألماني للفلسطينيين الذين يسددون فاتورة محرقة الألمان لليهود، دون ذنب ارتكبوه، ولم يعتذر توني بلير عن وعد بلفور الذي منح فلسطين لليهود عندما كانت تحت الانتداب البريطاني، ولم يعتذر باراك عن طائرات الـ«إف 16» والقنابل الذكية التي قتلت أكثر من 500 مدني فلسطيني، معظمهم أطفال بسن ابنتيه وأصغر، قنابل قال فيها طبيب نرويجي هارب من جحيم غزة إنها أقل ذكاء ودقة من سكين قصاب يقطع أوصال ذبيحته كيفما شاء، ويقصد حشود الشعب الفلسطيني في غزة.

لم يحتجّ أي منهم على حصار غزة، وهو عقاب جماعي غير إنساني أثناء الاتفاق على التهدئة، رغم التزام «حماس» به، ولم تتحرك إنسانيتهم عندما ساءت أحوال غزة إلى حدود بلوغ معدل البطالة 50%، وهبوط مستوى دخل من يعملون إلى دون حد الفقر المقبول، ولم تتحرك ضمائرهم والقصف بكل الأسلحة الحديثة والفتاكة لمليون ونصف المليون فلسطيني محشورين في 400 كيلو متر مربع، أو في علبة سردين، ولم تبدُ على وجوههم، ولو من باب التمثيل، مسحة غضب أو خجل، وقتلى الفلسطينيين أكثر من 1000 ضحية أمام 14 إسرائيليا 4 منهم بنيران صديقة إسرائيلية.

وأنا أستمع إلى ما يتفوه به الحضاريون، لا يحرجني أن أعلن في هذا الظرف الأليم، أنني من خصوم «حماس» السياسيين، ولكنها تبقى خصومة سياسية حضارية تحسمها صناديق الاقتراع، أحزن عند الخسارة، وأفرح لفرح أطفال غزة عندما يحتضنون لعبهم وينامون دون رعب وقصف.

back to top