مناقلات القوّات الأميركيّة كتكتيك انتخابي!

نشر في 16-09-2008
آخر تحديث 16-09-2008 | 00:00
 ماجد الشيخ في محاولة لترقيع هيبتها الإمبراطوريّة المتداعية والمتهاوية، بعد أن تزايدت في الآونة الأخيرة مؤشّرات فقدانها روافع أحاديّتها القطبيّة، وبعد أن جرّبت كلّ قواها «النّاعمة» و«الخشنة/الصّلبة» للاحتفاظ بها، تحاول الولايات المتّحدة اليوم إجراء تعديلات تكتيكيّة ولو محدودة على استراتيجيّتها للحرب ضدّ الإرهاب، في أعقاب تحوّل العراق منذ احتلاله عام 2003 إلى مركز جذب لتلك الحرب، في انتقالة استراتيجيّة عميقة من أفغانستان إلى ذاك البلد، الّذي يتحوّل الآن إلى مركز طرد لقوى إرهابيّة أساسيّة «نجحت» خطط اعتماد «الصّحوات» في الحدّ من تأثيرات هجماتها ضدّ قوّات الاحتلال الأميركي، وإن كانت تنجح في بعض عمليّاتها ضدّ القوّات العراقيّة الحكوميّة وغير الحكوميّة.

وهكذا يكون قرار الرّئيس الأميركي جورج بوش قد ترك مبدئيّا إلى خليفته أوائل العام القادم وجودا عسكريّا أميركيّا في العراق؛ أكبر مما كان عليه قبل عامين، رغم أنّ الحرب هناك لا تلقى دعما شعبيّا. ويشكّل احتمال الانسحاب أحد أكبر رهانات الحملة الانتخابيّة الرّئاسيّة، كما أنّ تعزيز الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان أحد أهم عناوين حملة المرشّح الدّيمقراطي باراك أوباما.

هل هذا يعني تحوّلا في نظرة واشنطن واستراتيجيّتها التي قامت على أساس أنّ العراق هو السّاحة المركزيّة للحرب ضدّ الإرهاب؟

تشكّل توصية القيادات العسكريّة التي قبلها الرّئيس جورج بوش، والتي تقضي بسحب 8000 جندي أميركي من العراق، وإرسال أكثر من نصفهم إلى أفغانستان مطلع العام القادم، على خلفيّة توقّعات بأن تشهد تلك الفترة هجوما مكثّفا واسع النّطاق من قبل طالبان و«القاعدة»، تشكّل هذه التّوصية والقبول بها؛ اعترافا متأخّرا من قبل البيت الأبيض بأنّ الوضع في أفغانستان يشهد مزيدا من التّدهور، رغم إقرار واشنطن بعدم قدرتها فرز أو ضخ المزيد من قوّاتها إلى أفغانستان. ومع الانخفاض النّسبي في العمليّات العسكريّة في العراق، والذي لم يكن نتاجا لزيادة عدد القوات الأميركيّة في وقت سابق، بل لأسباب أخرى. ولأنّه لا يوجد لدى الجيش الأميركي قوّات احتياطيّة، يمكنها أن تضاف إلى العدد الموجود في أفغانستان؛ لكلّ هذا كانت الموافقة على توصية سحب قوّات من العراق، ما يعني أنّ مركز الجذب بدأ ينتقل من العراق إلى أفغانستان، وأنّ التّركيز الأكبر سيكون موقعه الحدود الأفغانيّة-الباكستانيّة، حيث يريد الجمهوريّون إثبات أنّهم ينجحون في الجوانب الأمنيّة؛ على أمل إلقاء القبض على بعض قيادات «القاعدة» هناك.

وإذا كان القرار الأميركي العتيد بزيادة عدد القوّات الأميركيّة في أفغانستان استند إلى تحذيرات متزايدة من عودة طالبان إلى السّلطة في كابول، وأنّ هذا هو القرار الأميركي الأقصى، في محاولة لمنعها من ذلك، فإنّ الحلول العسكريّة وحدها؛ كما لم تنجح من قبل، فهي بالتأكيد لن تؤدّي إلى النّجاح مجدّدا الآن في ظلّ ارتكاب المزيد من الأخطاء العرضيّة التي أنتجت، بل أسّست لأخطاء استراتيجيّة، دفعت وتدفع الولايات المتّحدة جرّاءها تراجعا في هيبتها الإمبراطوريّة وتآكلا في أحاديتها القطبيّة، ما تني تنذر بما هو أسوأ، ليس هنا أو هناك، بل على مستوى العالم، والمعطيات الجيو سياسيّة المتبدّلة، أو الآخذة بالتّبدّل؛ جرّاء صعود الدّولة الوطنيّة، أو استعادة العديد من الدّول لمبادرات ومبادءات استعادة سياداتها الوطنيّة، ليس في الفضاء الإقليمي القريب، بل على صعيد الفضاء الدّولي البعيد.

من هنا لم يعد بمقدور المقاربة العسكريّة أن تكون وافية أو ناجزة، فقد فوّتت واشنطن الكثير من الفرص التي كان يمكن لها أن تكفل ترتيب وضع سياسي مختلف في أفغانستان؛ أو حتّى في باكستان، رغم إنفاقها ما يتجاوز سبعة مليارات دولار على بناء الجيش الأفغاني، من دون أن يستطيع الخروج من حالة التّبعيّة للجيوش الأجنبيّة، أو يحقّق لذاته هيبة القوّة الوطنيّة التي يخشى جانبها.

إن لجوء واشنطن إلى مقولات «السّيادة النّاقصة» وتطبيقها في علاقاتها مع حلفائها الإقليميين، أدّى إلى فشلها في التّعاطي مع هدف إقامة نظام أو أنظمة مدنيّة حقيقيّة في المنطقة، علاوة على إقامة أنظمة ديمقراطيّة. وقد كان بإمكان باكستان أن تعالج وضع القبائل لديها، بحيث تكسبها إلى صفّها منذ زمن، وقبل أن يجري تجنيد العديد منها لمصلحة طالبان أو «القاعدة»، إلاّ أنّ الطابع المزدوج لطبيعة النّظام في تبعيّته وولاءاته الخارجيّة خصوصا، والدّاخليّة إلى حدّ ما، وعلى حدّ سواء، ضيّع فرصا عديدة لكسب القبائل إلى صفّ محاربة الإرهاب. وما زال من المبكّر الحكم على تحوّل ما، في صفوف القبائل، ومدى نجاحها في الحدّ من تأثيرات نفوذ وهيمنة خط «القاعدة» وطالبان التّكفيري الإرهابي في مناطق الحدود الأفغانيّة-الباكستانيّة، حيث إنّ «الصّحوات القبائليّة» ما زالت في طور النّمو، وهي لم تزل تحبو في أيّ حال. لقد شكّلت باكستان على امتداد حكم الرّئيس برويز مشرّف شريكا رئيسا في التّحالف ضدّ الإرهاب منذ البداية، فهل ما زالت تمثّل هذا الدّور في ظل الحكم الجديد برئاسة الرّئيس زرداري؟ في وقت يتوقّع أن تزداد قوّة طالبان و«القاعدة» مع إحتمال أن تصبح مقاومة القوّات الأجنبيّة في أفغانستان وعلى الحدود الأفغانيّة-الباكستانيّة أكثر فعالية وضدّ القوّات الباكستانيّة أيضا، التي بدأت تخوض حملة حرب استباقيّة شرسة بدأتها يوم الجمعة الماضي، على أنّ الحلّ الّذي يرمي إلى الإقرار بأمن واستقرار المنطقة، لا يكون عبر المزيد من القوّة العسكريّة، إنّما عبر الحوار السّياسي والتّنمية الاقتصاديّة المفتقدة في هذه المنطقة من العالم المبتلاة والمرتهنة للإرهاب وللحرب ضدّ الإرهاب.

إنّ محاولة إظهار أنّ هناك نجاحات تتحقّق في كلّ من العراق وأفغانستان، تبرز حاجة الإدارة الجمهوريّة إلى روافع انتخابية لمصلحة الجمهوريين، رغم أنّ النّجاحات المزعومة لن يكون في مقدورها أن تشكّل خطوة فعليّة باتّجاه تحقيق إنجازات ممكنة، طالما أنّ المقاربة العسكريّة هي المهيمنة بآلياتها، وفي ظلّ واقع يصفع المزاعم والادّعاءات، ويكذّب أحلاما إمبراطوريّة ما فتئت تأمل في توظيف حروبها لتخدم مرشّحها للرّئاسة في مواجهة مرشّح الدّيمقراطيين.

* كاتب فلسطيني

back to top