وجهة نظر الأسواق الخليجية وطشار أزمة الرهن العقاري

نشر في 21-09-2007
آخر تحديث 21-09-2007 | 00:00
No Image Caption
 حسين العويد لم يحل اختلاف الظروف وتباين المعطيات من دون سماع المنطقة، لصدى ازمة الرهن العقاري التي اصابت اولا السوق الاميركي قبل ان تتداعى الاسواق المالية العالمية للتحوط حتى (لا يحوشها طشار) الازمة.

وبغض النظر عما اذا كان هناك مبرر لمخاوف اسواق المنطقة من أن يتجاوز مدى ازمة السوق الاميركي ليصل الى الاسواق الاخرى، فإن المخاوف بحد ذاتها تظهر حجم التداخل الذي باتت تعيشه اسواق المال في مختلف انحاء العالم، بحيث ان العدوى لا تلبث ان تنتقل من هذا السوق الى ذلك، مؤكدة بالدليل العملي ان العالم قرية صغيرة، وأن المرونة التي تنتقل بها رؤوس الاموال حاليا من مكان الى آخر لها ضريبة علينا ان ندفعها ونقبل بها.

وعلى خلاف ما كان يقوله البعض في بداية ازمة الرهن العقاري فإن اسواقنا لم تكن بعيدة عن المشكلة وان كنا لا نواجه ما واجهته الاسواق الاميركية، فقد ظهرت توابع وتداعيات هذه الازمة بأشكال مختلفة منها انسحاب بعض الاستثمارات المالية الاجنبية من اسواقنا لمقابلة الضغوط التي يتعرض لها بعض المستثمرين في الاسواق العالمية، ومنها أيضا احتمال تأثر استثمارات ومحافظ عقارية خليجية تعمل في الخارج بما تواجهه مؤسسات الرهن العقاري، التي قد تلجأ الى عمليات واسعة لتسييل محافظ عقارية كوسيلة للخروج من الازمة، وهو ما ينعكس بالضرورة على اسعار التوظيفات الخليجية في الاسواق العقارية الاميركية او أي اسواق تطالها الازمة. على ان المشكلة لم تكن في امكان تأثرنا بأزمة الرهن الاميركية بل بأسلوب تعامل البعض مع الازمة وفي

حالة الهلع التي اصابت شريحة من المستثمرين الذين اندفعوا بتأثير (القعقعة التي احدثتها الاخبار المتواترة عن ازمة الرهن العقاري لتسييل ما لديهم من اسهم، ولتتحول خسائرهم الدفترية الى خسائر فعلية ولتأخذ الازمة العابرة مظهر الانهيار الكامل. وهذا معناه ان تعامل مستثمرينا مع الازمة لم يصل بعد مرحلة النضج الكافي للتعامل مع الازمات، وهي لا تزال ضحية لسياسة (اضرب واهرب) او الانسياق كما القطيع وراء المضاربين الذين يهمهم الربح السريع بأي ثمن، خصوصا ان الكثيرين منهم لايضاربون بأموالهم، بل بالتسهيلات قصيرة الاجل التي تمنحها لهم البنوك وشركات الوساطة.

ومع اننا نقدر ان هدف أي مستثمر هو الربح بأي صورة مشروعة ومع اننا نعلم ان تحركات المستثمرين تحكمها القاعدة الازلية التي تقول ان رأس المال جبان، فإننا نعلم ان ثمة تغيرا طرأ على طبيعة الاستثمار في سوق الاسهم خلال الأشهر القليلة الماضية، لكن هذا التغير لم ينعكس على اسلوبنا في التعاطي مع تداعيات قضية الرهن العقاري. ومن ابرز ملامح ذلك التغير ما تتسم به الاسهم المحلية حاليا من سمات تجعلها اكثر مناعة وقدرة في التعاطي مع الازمات العابرة بشكل انضج وأفضل من سنوات سابقة، فأسعار الاسهم حاليا منخفضة بدرجة تجعلها اقرب لأن تكون وعاء ممتازا للادخار الطويل الاجل لا الاستثمار السريع المتعجل. وهذا يعني ان الذي يحافظ على ما لديه من اسهم عند هذه الاسعار يضمن في المدى القصير عائدا مجزيا على استثماره ويضمن في المدى الطويل تحسنا جوهريا في قيمة هذه الاسهم.

ومن مظاهر التغيير ايضا التحول في طبيعة الاستثمار بالاسهم الذي لم يعد معتمدا كما في سنوات سابقة على التمويل البنكي، بل على المدخرات الخاصة، ما يعني ان هذا الاستثمار بات قادرا على الصمود فترات اطول في مواجهة الازمات لانه لا يتعرض لضغوط البنوك، إذ كانت التسهيلات التي تمنحها للمستثمرين من الاسباب الرئيسية التي تدفعهم إلى تسييل ما لديهم للتخلص من ضغط تلك البنوك.

والمستثمرون الذين تنكشف مراكزهم المالية مقابل الاسهم باتوا أقل من السابق من حيث العدد ومن حيث مستوى الانكشاف، فالبنوك ومؤسسات التمويل اصبحت اكثر حذرا في تقديم التسهيلات، كما انها اصبحت اكثر تشددا في تأمين الضمانات التي تحفظ حقوقها.

لقد اثبتت التجربة ان من يصاب بالهلع والخوف عند اول منعطف هو من يخسر حتى لو بدا للبعض رابحا او ناجيا من الخسارة، فما يباع اليوم بسعر منخفض قد يصبح عزيزا في مرحلة تالية، وما يتحقق من ربح نتيجة مضاربة غير واعية اليوم قد يدفع صاحبها خسارة في المستقبل على شكل ضياع فرصة استثمار مناسبة وبسعر جذاب كالسعر الذي تمر به الاسهم هذه الايام.

* خبيراقتصادي - الإمارات

back to top