زائر المنطقة الخضراء

نشر في 13-03-2008
آخر تحديث 13-03-2008 | 00:00
 نديم قطيش

زيارة أحمدي نجاد مثلت اعترافاً متأخراً بالنتائج السياسية للمشروع الأميركي في العراق، ينبغي له أن يساهم في تغيير التعاطي العربي مع هذا البلد. تغيير لابد أن ينطلق من ضرورة تفعيل العلاقات العربية العراقية وفتح الممثليات والسفارات قبل أن تنجح طهران في تحويل اعترافها تكريساً لدورها في واحدة من أهم واحات الخليج.

لا يمكن لزيارة إلى العراق أن تكون أكثر دلالة بحمولتها الرمزية، من زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد. فـ «لحظة السعادة الحقيقة في عراق بلا دكتاتور، على حد تعبير أحمدي نجاد، ما كانت لتحل كذلك لولا عملية تحرير العراق التي قادتها الولايات المتحدة لخلع صدام حسين. أي أن نجاد مدين بسعادته لمَن يشتهي موتهم ليل نهارعلى الرغم من استنتاجه أن العراقيين الذين يشاركونه فرحة سقوط الطاغية لا يحبون الولايات المتحدة.

ولا يفطن نجاد، وهو يمسك بيد الرئيس جلال طالباني، أن رئيس جمهورية العراق يعد الأقل حماساً بين مسؤولي هذا البلد لانسحاب أميركي «مبكر» لا يني نجاد يقدمه بوصفه منطق الأمور ودرة صوابها.

طبعاً فرحة أحمدي نجاد، تنطق في العقل الاختزالي، عن هوى، يستحلي القول إن واشنطن أزاحت صدام بغداد وملا عمر كابول، ليتربع نظام الملالي على سدة الخليج، قدر ما يستحلي قدح الخصم وذمه في مقابل إعلاء ذكاء الأنا. غير أن مشكلة أحمدي نجاد تكمن في افتقاره المقاييس التي بها تقاس الأمور.

فأن يزور أحمدي نجاد العراق للقاء «نظرائه» من رئيس الحكومة نوري المالكي إلى رئيس الجمهورية جلال الطالباني وغيرهم من المسؤولين ليس إلا اعترافاً بالمعادلة السياسية الناتجة عن «الاحتلال المقيت»، أي «فهماً للحقائق السياسية في المنطقة» التي دعا هو نفسه الأميركيين إلى فهمها. أما أن يزور المنطقة الخضراء متعففاً عن الحماية الأميركية، مستبدلأ إياها بالبشمركة، ففيها من لزوم حفظ ماء الوجه أكثر ما فيها من وقائع، إذا تذكرنا قتال الميليشيا الكردية إلى جانب «المحتلين والغزاة»، وإذا عرفنا مستوى الحماية الأميركية الجوية والبحرية والبرية التي تتمتع بها هذه الناحية من بغداد.

أما أن يسخر الرئيس الإيراني من زيارات زعماء العالم الخاطفة إلى العراق في مقابل زياراته المعلنة قبل شهرين وسلوكه طريق المطار البري بدل الانتقال بالمروحيات على جري عادة زوار العراق، ففيها ما يدين نجاد أكثر ما يدين خصومه. إذ من الجلي أن موجات العنف في الأشهر الأخيرة تصدر عن مجموعات مسلحة يشتبه بدرجة عالية ارتباطها بإيران تمويلاً وتسليحاً وتحريضاً على ما تشير التقارير الواردة من العرق، ما يمنح السيد أحمدي نجاد، حينذاك، حرية الحركة بين «صحبه».

والأكيد أيضاً، وهنا مفارقة المفارقات، أن التعدد الطائفي والإثني في القاعدة التي تدعم الأميركيين في العراق يفوق ما في تلك الداعمة لأحمدي نجاد. فالرجل الذي تحث بلاده الخطى النووية مستفزة الخليج دولاً وشعوباً، والرجل الذي يقينه أن أواصر «الأخوة» العراقية- الإيراينة والعربية- الإيرانية مادة غير قابلة للاهتزاز، فشل حتى في إثارة حماس نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي لاستقباله. أقول طارق الهاشمي وأسكت طبعاً عن تظاهرات الاحتجاج السُنية في مدن رئيسية، عارفاً أن الهاشمي بمشاركته في سلطة سياسية، وبما هي حصيلة الحرب الاميركية لخلع «نظام عربي» يعبر عن أكثر المناخات ليناً بين سُنة العراق.

زيارة أحمدي نجاد، على تاريخيتها، مثلت اعترافاً متأخراً بالنتائج السياسية للمشروع الأميركي في العراق، ينبغي له أن يساهم في تغيير التعاطي العربي مع هذا البلد. تغيير لابد أن ينطلق من ضرورة تفعيل العلاقات العربية العراقية وفتح الممثليات والسفارات قبل أن تنجح طهران في تحويل اعترافها تكريساً لدورها في واحدة من أهم واحات الخليج.

* كاتب لبناني

back to top