هل يفتح حكم «الدستورية» المصرية باب الطعن على القوانين الكويتية المخالفة للشريعة؟

• حكمت بعدم دستورية منع الأبوين من الرجوع في الهبة لاعتباره جحوداً لهما
• المحكمة رأت مخالفة المادة لأحكام المساواة في العدول عن الهبة

نشر في 16-11-2021
آخر تحديث 16-11-2021 | 00:04
فتح حكم المحكمة الدستورية المصرية العليا الصادر بعدم دستورية إحدى فقرات مواد الهبة المنظمة بالقانون المدني، رغم تطبيقه أكثر من 73 عاما، باب التساؤلات عن إمكانية الطعن على أحكام الهبة في القانون المدني الكويتي، نظراً لتشابه الواقع التشريعي بين البلدين.

وفتحت حيثيات الحكم باب إمكانية الاستعانة بأحكام المادة الثانية من الدستور الكويتي، إذا ما ثبتت مخالفة أي تشريع لأحكام الشريعة الإسلامية، لأن الحكم الدستوري المصري أشار في حيثياته إلى مخالفة أحكام الهبة المطعون بعدم دستوريتها لقواعد الشريعة الإسلامية، التي أكدت الدساتير المصرية ضرورة عدم مخالفتها.

وأثار حكم «الدستورية» المصرية، عقب صدوره، ردود فعل قانونية واسعة، لكونه أجاز للأبوين الرجوع عن الهبة التي قاما بإصدارها إلى الأولاد، لأن المنع من حق الأبوين في الرجوع عن تلك الهبة يولد الجحود تجاهما، بما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فضلاً عن أن النص المقضي بعدم دستوريته يتعارض مع مبادئ المساواة، لأن أحكام الهبة سمحت للواهب الرجوع بعذر يقدره القضاء، ولم تسمح للأب بالرجوع في الهبة لأي سبب كان.

وأحكام الهبة، وفق القانون المدني الكويتي، تختلف عن المصري، لكونها تسمح للواهب بالرجوع، مادام كان بعذر، ويخضع ذلك العذر لتقدير القضاء، للنظر في قبوله، وهو ما يختلف عن أحكام الهبة لدى التشريع المصري.

مبادئ دستورية

وأكدت المحكمة الدستورية العليا في حكمها بشأن الهبة العديد من القواعد والمبادئ الدستورية التي تكفل عقد الهبة والرجوع فيه، مبينة أن النص المطعون عليه - في النطاق السالف تحديده - بحق الواهب لولده، دون غيره من الواهبين لغير ذي رحم محرم، في الحصول على ترخيص من القضاء بالرجوع في الهبة عند توافر العذر، فإن ما نص عليه الدستور في المادة 97 من أن «التقاضي حق مصون ومكفول للكافة»، قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته، من الحقوق العامة المقررة للناس جميعا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال النفاذ إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في سعيهم لرد الإخلال بالحقوق التي يدعونها ولتأمين مصالحهم التي ترتبط بها، مما مؤداه أن قصر مباشرة حق التقاضي على فئة من بينهم أو الحرمان منه في أحوال بذاتها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته، إنما يعد عملا مخالفا للدستور الذي لم يجز إلا تنظيم هذا الحق، وجعل الكافة سواء في الارتكان إليه، ومن ثم، فإن غلق أبوابه دون أحدهم أو فريق منهم، إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس بقاء العدوان على الحقوق التي يطلبونها، وعدم حصولهم على الترضية القضائية باعتبارها الغاية النهائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على تلك الحقوق.

وأضافت انه بشأن حق المساواة أمام القانون بأن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، المنصوص عليه في المادة 53 من الدستور الحالي، ورددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساسا للعدل والسلام الاجتماعس، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وقيدا على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، التي لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التي تتحد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون خلالها أمام القانون، فإن خرج المشرع على ذلك سقط في حمأة المخالفة الدستورية.

أصول التنظيم التشريعي

وأفادت المحكمة بأنه بشأن اصول التنظيم التشريعي فإن الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويا على تقسيم، أو تصنيف، أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض، أو عن طريق المزايا، أو الحقوق التي يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعا محددا، عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها، بالوسائل المؤدية إليها، منطقيا، وليس واهيا أو واهنا، بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريا. ومرد ذلك، أن المشرع لا ينظم موضوعا معينا تنظيما مجردا أو نظريا، بل يتغيا بلوغ أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارا لمصلحة عامة لها اعتبارها، يقوم عليها هذا التنظيم، متخذا من القواعد القانونية التي أقرها، مدخلا لها، فإذا انقطع اتصال هذه القواعد بأهدافها، كان التمييز بين المواطنين في مجال تطبيقها، تحكميا، ومنهيا عنه بنص المادة 53 من الدستور.

وبينت أن الواهبين لأموالهم، على اختلاف حالاتهم، وأغراضهم منها، في مركز قانوني متكافئ، وقد أجاز المشرع - على ما سلف بيانه - للواهب الرجوع في الهبة إذا ألمت به ظروف وأعذار تستدعي هذا الرجوع، وامتنع الموهوب له عن إقالته من الهبة، وناط المشرع بالقاضي سلطة تقديرية بشأن بحث جدية الأعذار التي يبديها الواهب في هذا الشأن، ويقضي على ضوء ذلك، إلا أن المشرع خرج عن هذا الأصل، وأورد حالات لمنع الرجوع في الهبة، ضمنها نص المادة 502 من القانون المدني، من بينها هبة الوالد لولده، مانعا القضاء من بحث الأعذار التي يسوقها الوالد في هذا الشأن، الأمر الذي يحول بينه وبين الحصول على الترضية القضائية، لمجرد توافر هذه القرابة بينه وبين الموهوب له.

وأضافت أن الغاية التي توخاها المشرع من ذلك المنع، وهي الحفاظ على صلة الرحم، لم يراع فيها مواجهة عقوق الابن الموهوب له، إذ امتنع طواعية عن إقالة والده من الهبة في هذه الحالة، بما يزكي هذا العقوق، حال أن المشرع أجاز في المادة 501 من القانون المدني الترخيص للواهب بالرجوع في الهبة إذا أخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، أو أحد أقاربه، بحيث يكون هذا الإخلال جحودا كبيرا من جانبه، ومؤدى ذلك أن المانع الوارد بالنص المطعون فيه، فضلا عن عدم ارتباط الوسيلة التي أوردها في ذلك النص، بالغاية المتوخاة منها، فإنه يخل بمبدأ المساواة بين الواهبين المتماثلة مراكزهم في الحصول على الترضية القضائية.

الفيلي: الحكم أكد مخالفة عدم الرجوع في الهبة للشريعة

شدد الخبير الدستوري أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي على أن الحكم الدستوري المصري أكد استمرار توجه المحكمة الدستورية على النهج الذي استقرت عليه في أحكامها الصادرة بعد تعديل المادة الثانية من دستور عام 1997، وذلك وفق التعديل الذي تم عام 1980، بالرغم من تأكيد المحكمة أنها بصدد تشريع صادر عام 1948، وبالتالي فإنه غير مخاطب بالحكم المقرر بالمادة الثانية من الدستور، والذي يقضي بعدم جواز مخالفة القانون لأحكام الشريعة الإسلامية.

وأضاف الفيلي: «ومع ذلك فقد استطردت المحكمة في عرض موقف الفقه من هذا الموضوع، مقررة ان حكم المشرع في القانون المدني اخذ بواحد من الاجتهادات الفقهية وبالتالي لم يخالف حكما قطعيا من أحكام الشريعة، ومن بعد هذا الاستطراد قررت أن المشرع اخل بمبدأ المساواة بين الأفراد في عرض خصومتهم أمام القضاء لأن المشرع حجب حق مجموعة من المخاطبين بالقاعدة من جواز طلب إلغاء الهبة من القاضي دون أن يكون هذا التمييز مستندا لمصلحة معتبرة تسنده، والمحكمة في هذا الحكم تقرر جواز الاخلال بمبدأ المساواة في بعض الحالات، بشرط أن يكون التمييز قائما على اعتبار موضوعي مرتبط بفكرة التشريع لازم لتحقيقها فإن لم تتوافر هذه الشروط يكون التمييز مخالفا للدستور».

حسين العبدالله

الواهبون لأموالهم على اختلاف حالاتهم وأغراضهم في مركز قانوني متكافئ

التشريع الكويتي يسمح بعدول الواهب شريطة قبول العذر
back to top