قراءة في حكم «تمييز الجنح» باختصاص النيابة في قضايا الطفل

نشر في 29-06-2021
آخر تحديث 29-06-2021 | 00:00
المحامي أحمد المطوع
المحامي أحمد المطوع
لما كان التعليق على أحكام القضاء لاسيما إذا اضطلع به متخصص في القانون من شأنه أن يدفع نحو ترسيخ علم القانون، وصولاً إلى التطبيق الأمثل للقانون الذي يتفق وإرادة المشرع، فسنورد في هذا المقال تعليقاً على الحكم المشار إليه رغبة في الكشف عن إرادة المشرع على نحو سائغ، ولكون الحكم محل التعليق يتصل بشكل أو بآخر بأحكام القانون 21 لسنة 2015 بشأن حقوق الطفل، والذي ما صدر إلا بغية حماية الطفل على سند من أنه جزء لا يتجزأ من الأسرة باعتبارها أحد المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي، إذ نصت المادة التاسعة من الدستور على أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها، ويقوي أواصرها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة.

وقائع الدعوى

تخلص وقائع الدعوى بالقدر اللازم لحمل أوصال هذا المقال في أن إدارة الادعاء العام التابعة للإدارة العامة للتحقيقات بوزارة الداخلية أحالت متهماً إلى المحاكمة الجزائية على سند من أنه في يوم 9/6/2019 قام بالإساءة الجنسية ضد الطفل المجني عليه والتحرش اللفظي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي بتحريضه على الانحراف واستغلاله الجنسي والقيام بأعمال منافية للآداب على النحو المُبيّن بالتحقيقات، وطلبت تلك الإدارة عقاب المتهم عملاً بالمواد 71/4، 88 من القانون رقم 21 لسنة 2015 في شأن حقوق الطفل.

وإذ تداول نظر الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى حتى أصدرت حكماً غيابياً والمُؤيّد بالمعارضة بمعاقبة المتهم بالحبس سنتين مع النفاذ عما أسند إليه من اتهام مع إحالة الدعوى المدنية، بينما عدلت دائرة الجنح المستأنفة مقدار العقوبة وذلك بالاكتفاء بحبس المتهم سنة مع الشغل والنفاذ.

وإذ قرر المحكوم عليه بالطعن على الحكم الصادر من دائرة الجنح المستأنفة أمام هيئة تمييز الجُنح بمحكمة الاستئناف وأصدرت الأخيرة حكمها بتاريخ 11/4/2021 والذي انتهى إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتمييز الحكم المطعون والقضاء ببطلان اجراءات التحقيق وبإرسال الأوراق برمتها إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها فيها.

وكان أساس ذلك القضاء وسنده على النحو الثابت بأسبابه أن المادة 78 من القانون 21 لسنة 2015 في شأن حقوق الطفل نظمت إجراءات تلقّي مراكز حماية الطفولة للشكاوى وأن المشرع رسم طريقاً اجرائياً لتلقي الشكوى من قبل مركز حماية الطفولة والذي بدوره يقوم في بحث مدى جدية الشكوى والفحص عن إزالة أسبابها فإذا تكرر الأذى على الطفل أو عجز المركز عن معالجة الشكوى أو شكلت الواقعة جريمة، يتعين على مركز حماية الطفولة أن يرفع تقريراً إلى نيابة الأحداث أو التوصية لدى المحكمة لاتخاذ اللازم، وأنه بإنزال ذلك على واقع الدعوى فإنه لما كان مركز حماية الطفولة رفع تقريره إلى إدارة الجنح الخاصة التابعة للإدارة العامة للتحقيقات، التي تولت التحقيق مع المتهم، وإحالته إلى المحاكمة الجزائية، فإن اجراء التحقيق والتصرف والادعاء التي تمت في إدارة الجنح الخاصة قد وقعت باطلة ويبطل ما ترتب عليها.

التعليق

نرى أن الحكم جانبه الصواب فيما انتهى إليه على النحو المتقدم بيانه من اسناد الاختصاص الحصري في التحقيق والتصرف والادعاء في الجنح محل الاتهام المشار إليها إلى نيابة الأحداث، كما نرى أن الاختصاص ينعقد إلى الإدارة العامة للتحقيقات بوزارة الداخلية، وأن ما قامت به من اجراءات تحقيق وتصرف وادعاء قد صادف صحيح القانون والواقع، غير مشوب بأي بطلان، وسندنا في ذلك الحجج الآتية:

أولاً – لما كانت المادة (78) من قانون الطفل 21/2015 قد جرى نصها على أنه «... وفي حال تسليم الطفل إلى ولي أمره أو متولي رعايته يتعهد بعدم تعريضه للخطر، فإذا تكرر الأذى على الطفل أو عجز المركز عن معالجة الشكوى أو شكلت الواقعة جريمة، يرفع المركز تقريراً إلى نيابة الأحداث أو التوصية لدى المحكمة لاتخاذ اللازم....» وهذا النص لا يدل بذاته على انعقاد الاختصاص حصراً في التحقيق والتصرف والادعاء إلى نيابة الأحداث في الوقائع التي تثير جرائم الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين التي يكون فيها المجني عليه طفلاً أي لم يتجاوز عمره الثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، ولم يتطرق المشرع في القانون المشار إليه صراحةً أو ضمناً إلى ما يفيد ذلك.

ثانياً – لما كان من المقرر وفق الفقرة الثانية من المادة التاسعة من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية 17/1960 وتعديلاته أن يتولى سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في الجنح محققون يعينون لهذا الغرض في دائرة الشرطة والأمن العام (وزارة الداخلية)، والبين من فلسفة المشرع الكويتي في تنظيمه للإجراءات الجزائية لاسيما الاختصاص في التحقيق والتصرف والادعاء أنه إذا أراد أن يسند الاختصاص في تلك الجنح استثناءً للنيابة العامة فإنه ينص صراحة على ذلك، ومن ذلك ما نصت عليه المادة (17) من قانون جرائم تقنية المعلومات 63/2015 بأن تختص النيابة العامة وحدها، دون غيرها، بالتحقيق والتصرف والادعاء في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.

كما نصت المادة (21) من قانون الاعلام الالكتروني 8/2016 على أنه تختص النيابة العامة دون غيرها بالتحقيق والتصرف والادعاء في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وكذلك المادة (17) من قانون الاعلام المرئي والمسموع 61/2007 التي تنص على أنه تختص النيابة العامة دون غيرها بالتحقيق والتصرف والادعاء في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وما نصت عليه المادة (23) من قانون المطبوعات والنشر 3/2006 من أنه تختص النيابة العامة دون غيرها بالتحقيق والتصرف والادعاء في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، على أن تكون هناك نيابة متخصصة لهذه الجرائم، وما نصت عليه المادة (42) من قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة 75/2019 من أنه تتولى النيابة العامة دون غيرها سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في جميع الجرائم الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون.

ولما كان البين من استقراء نصوص التجريم الواردة في تلك القوانين أن من ضمنها جرائم تدخل في عداد الجنح، وهو الأمر الذي يقطع بأن المشرع إذا ما أراد اسناد الاختصاص إلى النيابة العامة في الجنح استثناءً فإنه ينص صراحة على ذلك، وكان الثابت أن قانون الطفل المشار إليه خلا من النص الصريح – أو الضمني – على ذلك، وهو ما مؤداه الرجوع إلى القواعد العامة، التي تقضي بأن الاختصاص في ذلك ينعقد إلى الإدارة العامة للتحقيقات بوزارة الداخلية.

ثالثاً – نصت المادة الأولى في البند الخامس من قانون الأحداث 111/2015 على أنه يقصد بنيابة الأحداث: نيابة متخصصة مكلفة بالتحقيق والتصرف والادعاء في قضايا الجنايات والجنح التي يرتكبها الأحداث وغيرها من الاختصاص المبينة في هذا القانون، وهو الأمر الذي يعني أن الأصل في اختصاص نيابة الأحداث هو بسن المتهم مرتكب الجريمة الذي يشترط أن يكون حدثاً لم يجاوز الثامنة عشرة من عمره لا بسن المجني عليه.

رابعاً – لما كان من المقرر في أصول التفسير القانوني أنه وإن كان لكل نص مضمون مستقل إلا أن ذلك لا يعزله عن باقي النصوص القانونية الأخرى التي ينتظمها جميعا وحدة الموضوع بل يتعين أن يكون تفسيره متساندا معها وذلك بفهم مدلوله على نحو يقيم بينهما التوافق وينأى بها عن التعارض، فالنصوص لا تفهم بمعزل عن بعضها البعض إنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء ما تهدف إليه دلالة النصوص الأخرى من معان شاملة.

ولما كان ذلك، وكان المشرع في قانون الأحداث المشار إليه قد قرر في المادة (46) منه على جواز قيام محكمة الأحداث بناءً على طلب نيابة الأحداث، بإيقاف كل أو بعض سلطات متولي رعاية الحدث إذا عرض للخطر صحة الحدث أو سلامته أو أخلاقه أو تربيته بسبب سوء المعاملة أو نتيجة للاشتهار بفساد السيرة، كما قررت الفقرة الأخيرة من المادة (23) منه أنه يعاقب بالحبس الذي لا يجاوز سنة وبالغرامة التي لا تقل عن مئتي دينار ولا تزيد على ألف، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من سلم إليه الحدث وأهمل في أداء واجباته قبله إذا ترتب على ذلك ارتكاب الحدث جريمة أو تعرض للانحراف بإحدى الحالات المبينة في المادة الأولى من هذا القانون.

ولما كان ذلك، وكان ما أورده المشرع في المادة (78) من قانون الطفل 21/2015 التي جرى نصها أنه «... وفي حال تسليم الطفل إلى ولي أمره أو متولي رعايته يتعهد بعدم تعريضه للخطر، فإذا تكرر الأذى على الطفل أو عجز المركز عن معالجة الشكوى أو شكلت الواقعة جريمة، يرفع المركز تقريراً إلى نيابة الأحداث أو التوصية لدى المحكمة لاتخاذ اللازم... « ينبغي تفسيره على ضوء ما ورد في قانون الأحداث، فالمشرع اشترط رفع تقرير إلى نيابة الأحداث حتى تتخذ اللازم نحو الطلب من محكمة الحدث للحد من سلطات من سلم إليه أو متولي رعاية الحدث – الذي هو في ذات الوقت طفل وفقاً لقانون الطفل – أو معاقبتهما إذا ما أدى فعلهما إلى ارتكاب الحدث الطفل جريمة أو تعرضه للانحراف، ولا ينبغي تفسير المادة 78 من قانون الطفل المشار إليها بمعزل عن قانون الأحداث، وهو الأمر الذي يؤكد عدم انصراف قصد المشرع إلى اسناد الاختصاص في التحقيق والتصرف والادعاء في الوقائع التي تثير جرائم الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين التي يكون فيها المجني عليه طفلاً أي لم يتجاوز عمره الثماني عشرة سنة ميلادية كاملة على إطلاقها إنما في الحالات التي تختص فيها نيابة الأحداث وفقاً لما ورد في قانون الاحداث، دون غيرها، الذي ينبغي معه الرجوع إلى القواعد العامة على النحو المتقدم بيانه.

لذلك فإن إسناد الاختصاص لنيابة الأحداث دون نص تشريعي يُربك عمل نيابة الأحداث ويضع النائب العام في واقع يضطر معه لإصدار تعميم لاتخاذ شؤونه بإعادة تنظيم نيابة الأحداث وإفراد اختصاص جديد لها بالتحقيق في الجرائم الواردة في قانون حقوق الطفل رقم 21/2015، استناداً الى حكم تمييز الجنح لا بنص تشريعي، وهو الأمر الذي يصم أسباب الحكم الصادر من هيئة تمييز الجنح ببطلان التحقيق بالتدخل في أعمال السلطة التشريعية وإنشاء قاعدة تفتقر لنص في القانون يقوم عليها، وكأن حكم تمييز الجنح سن تشريعاً جديداً باختصاص نيابة الأحداث بالتحقيق والتصرف والادعاء في الجرائم الواردة بقانون حقوق الطفل التي تقع من البالغين، في حين أن نصوص مواد قانون الطفل ظلت صائمة عن إسناد الاختصاص في التحقيق لجهة تحقيق محددة، بالتالي يضحى الرجوع للقواعد العامة المقررة بالمادة 9 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الأجدر بالرعاية والأولى بالتطبيق.

وصفوة القول أن الحكم أوكل لنيابة الأحداث اختصاصاً غير منصوص عليه بالقانون عملاً بالمادة 78 من قانون حقوق الطفل وهو ما لم نسلم به للأسباب المتقدم ذكرها، فهو يضحى محض اجراء تنظيمي لا يترتب على مخالفته البطلان، وخالف حكم المادة 146 من قانون الإجراءات والمحاكات الجزائية التي تنص على أنه «... ولا يجوز الحكم ببطلان الإجراء اذا لم يترتب على العيب الذي لحقه أي ضرر بمصلحة العدالة أو الخصوم...»، والثابت أن الضرر الإجرائي للمتهم والمجني عليه لايجد انعكاسه في الأوراق، وجعل من أحد الطرق التي نظمها المُشرّع لمراكز حماية الطفولة في المادة 78 من قانون حقوق الطفل كأنه طريق واحد دون غيره لتقديم الشكوى وقبولها والتحقيق فيها تحت مظلّة نيابة الأحداث، وهو الحكم الوحيد الذي نص على هذا الأمر.

back to top