محكمة التمييز ترفض مطالبة النيابة بمحاكمة المتهمين لمخالفتهم «التعهد»

• أكدت أن «الامتناع» ليس قضاءً بعقوبة إنما تقرير من المحكمة
• الأحكام الجزائية لا يجوز تنفيذها إلا إذا أصبحت نهائية

نشر في 23-02-2021
آخر تحديث 23-02-2021 | 00:00
أحد المساجين خلف القضبان
أحد المساجين خلف القضبان
رفضت محكمة التمييز الجزائية برئاسة المستشار صالح المريشد طلب النيابة العامة تحريك الدعوى الجزائية مجددا ضد متهم سبق الحكم عليه بعقوبة الامتناع عن العقاب، لإدانته بجريمة تعاطي مواد مخدرة خلال مدة التعهد.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها ان النص المقرر للنيابة العامة بطلب محاكمة المتهم عن الجريمة السابقة لارتكابه جريمة أخرى خلال فترة التعهد يخالف القانون، وذلك لأن العبرة بطلب تحريك الدعوى الجزائية عن القضية السابقة يكون في حالة ادانة المتهم عن القضية الجديدة خلال فترة التعهد بحكم يحوز حجية الأمر المقضي وليس مجرد اتهام.

وكانت النيابة العامة قد وجهت الى المتهم تهمة حيازة مواد مخدرة بقصد التعاطي وصدر بحقه حكم قضائي بتقرير الامتناع عن النطق بالعقاب والتزام حسن السير والسلوك مدة سنة، وذلك في عام 2018، الا ان النيابة تقدمت بطلب معاودة محاكمته ومعاقبته عن جريمة التعاطي مجددا لارتكابه خلال فترة التعهد لجريمة، وطالبت بمعاقبته مجددا عن جريمة التعاطي، لكونه خالف حكم الامتناع عن العقاب.

وقضت محكمة الاستئناف الجزائية، التي قدم اليها طلب النيابة العامة للعدول عن حكم الامتناع لإخلال المتهم باشتراطه، وقررت إلغاء حكم الامتناع عن النطق بالعقاب، وقضت بحبسه سنتين مع الشغل والنفاذ، الا ان المتهم طعن على الحكم امام «التمييز».

وقالت «التمييز» في حيثيات حكمها انه من المقرر، وفقا لنص المادة 81 من قانون الجزاء، أنه «إذا اتهم شخص بجريمة تستوجب الحكم بالحبس جاز للمحكمة إذا رأت من أخلاقه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته أو تفاهة هذه الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الإجرام، أن تقرر بالامتناع عن النطق بالعقاب، وتكليف المتهم بتقديم تعهد بكفالة شخصية أو عينية أو بغير كفالة يلتزم فيه بمراعاة شروط معينة، والمحافظة على حسن السلوك المدة التي تحددها على ألا تتجاوز سنتين.

وتابعت: وإذا انقضت المدة التي حددتها المحكمة دون أن يخل المتهم بشروط التعهد اعتبرت إجراءات المحاكمة السابقة كأن لم تكن، أما إذا أخل المتهم بشروط التعهد فإن المحكمة تأمر بناء على طلب سلطة الاتهام أو الشخص المتـولی رقابته أو المجني عليه بالمضي في محاكمته، وتقضي عليه بالعقوبة عن الجريمة التي ارتكبها، ومصادرة الكفالة العينية إن وجدت.

وأضافت انه يستفاد من هذا النص أن الامتناع عن النطق بعقاب المتهم ليس قضاء بعقوبة، بل هو في حقيقته تقرير من المحكمة بأن الجاني قد ارتكب الجريمة- مما كان يستوجب معاقبته بعقوبة الحبس المقررة لتلك الجريمة فيما لو قضت المحكمة في الدعوى، إلا أنها قررت أن توقف الإجراءات عند هذا الحد لما ارتأته من توافر موجبات التخفيف المشار إليها في النص آنف البيان، ومن ثم فيتعين لاستعمال المحكمة السلطة المخولة لها لإعمال حكم هذه المادة متى توافرت موجباتها أن تكلف المتهم بتقديم تعهداً كتابيا مصحوبا بكفالة أو بغير كفالة يلتزم بموجبه مراعاة حسن السير والسلوك للمدة التي تحددها المحكمة على ألا تجاوز سنتين- فإذا أخل بشروط التعهد فإن المحكمة بناء على طلب سلطة الاتهام أو الشخص المتولى الرقابة أو المجني عليه أن تمضي في محاكمته لتوقع العقوبة المقررة للجريمة التي ارتكبها وثبتت في حقه.

ولفتت الى انه بعد أن أثبتت المحكمة في حق الطاعن ارتكابه جريمتي حيازة مادة مؤثرة عقلية بقصد التعاطي وقيادة سيارة تحت تأثير مادة مؤثره عقليا- إلا أنها وللأسباب التي ساقها قضت بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من التقرير بالامتناع عن النطق بعقاب الطاعن على أن يقدم تعهدا مصحوبا بكفالة قدرها خمسمئة دينار يلتزم فيه بمراعاة حسن السلوك مدة سنة مضت، وبناء على طلب من النيابة العامة في محاكمته استنادا إلى اتهامه في القضية، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة وبعد أن عرضت لواقعات الدعوى على نحو ما سلف بيانه خلصت إلى أن الطاعن خلال مدة التعهد اتهم وقُدم للمحاكمة في القضية السالف بيانها بتهمة إحداث آلام بدنية شديدة واحتجازه بدون وجه حق، وخلصت المحكمة إلى قبول الطلب المبين من النيابـة.

وأوضحت المحكمة ان مفاد ما نصت عليه المادة 214 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية «أن الأحكام الصادرة من المحاكم الجزائية لا يجوز تنفيذها إلا إذا أصبحت نهائية»، أن الحجية لا تنصرف إلا إلى الأحكام النهائية التي باتت حائزة لحجية الأمر المقضي، ومن ثم فلا يمكن أن يترتب أي أثر على أي حكم جنائي يستوجب تنفيـذه إلا إذا صـار نهائيا جائزا للحجية، والقول بغير ذلك يتنافي مع القواعد الأصولية في المحاكمات الجنائية من أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم جنائي حائز للحجية- وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد اتخذ من مجرد اتهام الطاعن في القضية السالف بيانها خلال فترة التعهد وتقديمه للمحاكمة عنها دليلا على إخلاله بشروط التعهد وبحسن السلوك- وهو ما لا يستقيم مع إعمال صحيح القانون- ذلك أنه قد يقضي ببراءته مما أسند إليه من اتهام، وعندئذ لا يمكن القول بأنه قد أخل بحسن السلوك أو بالتعهد المقدم منه، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون معيبا بما يستوجب تمييزه والقضاء برفض الطلب المقدم من النيابة بشأن المضي في محاكمة المتهم.

back to top