الصين قد تساعد باكستان على العودة من شفير الهاوية!

نشر في 14-08-2019
آخر تحديث 14-08-2019 | 00:00
 ريل كلير تبلغ قيمة «الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني» 62 مليار دولار، ويعتبر نقطة محورية في «مبادرة الحزام والطريق»، وهو المشروع الصيني الطموح الذي يهدف إلى تعزيز التواصل بين آسيا وأوروبا وإفريقيا. ويَعِد ذلك الممر بتحقيق ازدهار اقتصادي من خلال تحويل ميناء «جوادر» الباكستاني إلى معقل تجاري يربط الصين ببقية بلدان آسيا وأوروبا، لكن في ظل المعاناة الاقتصادية السائدة في باكستان وانشغال البلد بالخطة الإنقاذية التي طرحها صندوق النقد الدولي، تبدو إسلام آباد أكثر حرصا على التدقيق في تفاصيل الممر الاقتصادي للتأكد من قدرتها على تحمل كلفته.

بعد ست سنوات من إطلاق تلك المبادرة، بدأت بكين تعترف بالانتقادات الدولية المتزايدة بشأن ممارساتها الشائبة على مستوى الإقراض، كما أنها تتعهد بتعزيز معايير الانفتاح والشفافية والاستدامة، لذا تتخذ الحكومة الصينية الخطوات اللازمة لمساعدة باكستان، «صديقة جميع المواسم» كما تقول، ولتجديد توازنها الاقتصادي، حتى إنها تسعى إلى تنفيذ وعود «الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني» على أرض الواقع.

أحدث مشروع الممر الاقتصادي ضجة كبيرة عند طرحه عام 2015، وهو يضمن تمويل مشاريع البنى التحتية وخطوط أنابيب الطاقة بعدما عجزت باكستان عن إقناع مستثمرين آخرين بالمشاركة فيها، لكن من المستبعد أن تعوض العائدات المتوقعة تلك المخاطر الكبرى التي يتعرض لها الاقتصاد الباكستاني نتيجة هذه الاستثمارات. وبالإضافة إلى زيادة أعباء الديون بدرجة هائلة، أدت ممارسات الإقراض المبهمة إلى انتشار مخاوف كثيرة بشأن ديون خفية وشروط غير منصفة تصب في مصلحة البنوك والشركات الصينية. لتوضيح تلك المخاوف، يتعلق أبرز مثال شائع باستيلاء الصين على ميناء «هامبانتوتا» في سريلانكا في عام 2017، بعدما فشلت هذه الأخيرة في تسديد قروضها، كان هذا التدبير كفيلاً بإخافة باكستان والبلدان الأخرى في مبادرة الحزام والطريق، وحثها على مراجعة القيود المرتبطة بمشاريع تلك المبادرة.

في أواخر 2018، أنشأت إسلام آباد لجنة خاصة لتقييم مجموعة من المشاريع وتقليص حجمها، أو حتى تعليق بعضها، وفي السنة الماضية، انسحبت الحكومة أيضا من مشاريع ممولة من الصين في قطاع الطاقة وسكك الحديد، ومن المتوقع أن تستمر هذه النزعة في السنوات المقبلة نظرا إلى تدابير التقشف الواردة في الخطة الإنقاذية التي طرحها صندوق النقد الدولي. تتماشى هذه المقاربة مع توجه بلدان ناشئة أخرى، على غرار ماليزيا وإندونيسيا اللتين أعادتا التفاوض بشأن التزامات سابقة وغير قابلة للتنفيذ بموجب مبادرة الحزام والطريق، وهذا ما دفع الصين إلى تقديم التنازلات.

لمعالجة جزء من تلك المخاوف، تعاونت بكين مع إسلام آباد لتحويل بعض الديون إلى مجموعة واسعة من نماذج التمويل المختلطة.

اعتبارا من أواخر السنة الماضية، بدأت بكين تعدل مقاربتها، فوسعت هامش مشاركتها في المقام الأول، ورحبت ببلدان مثل المملكة العربية السعودية وتركيا شركاء في مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، واعتبر هذا التوجه خطوة نحو جعل الممر الاقتصادي متعدد الأطراف، وشكل تحولاً بارزاً في المسار الاحتكاري الذي استعملته بكين تقليدياً لإطلاق المشاريع وتمويلها وتنفيذها، كما أنه يهدف، برأي البعض، إلى محاربة الانتقادات القائلة إن أجزاء معينة من باكستان أصبحت «مستعمرة اقتصادية صينية».

في الوقت نفسه، عكست تلك المقاربة جهودا حثيثة لزيادة الشفافية في مجالات الإقراض والمشتريات والمزايدات والتنازلات. عمليا، من المتوقع أن تعزز المقاربة الصينية الجديدة التعاون بين بكين والشركاء الآخرين لتحديد معايير التمويل والتعاقد، حتى أنها قد تمهد لتعميق التزام بكين بمبادئ «نادي باريس»، وهي مجموعة دولية من الدول الدائنة تشجع على معالجة الديون المعدومة بطريقة مستدامة.

أخيرا، يترافق التدبير الذي نشأ في شهر نوفمبر الماضي ويقضي ببدء تسوية الصفقات الثنائية بعملة اليوان الصيني بدل الدولار الأميركي مع تداعيات بارزة على طريقة تسديد القروض الصينية من الجانب الباكستاني، ووفق هذا المخطط، ستتجنب باكستان تراجع قيمة عملتها بدرجة إضافية من خلال إبقاء احتياطيات النقد الأجنبي بالدولار الأميركي، ما يسمح بالحفاظ على استقرار محفظة ديونها، إنها خطوة منطقية لتحقيق هدف الصين المرتبط بتدويل عملتها عبر توسيع نطاق استعمال عملة اليوان في التجارة العالمية واستخدام مبادرة الحزام والطريق كمنصة لها.

صحيح أن باكستان لا تستطيع على الأرجح أن تتهرب تماما من ارتفاع كلفة الديون المترتبة عن مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، إلا أنها قادرة على تقليص أزمة الديون إذا تمسكت بكين بمقاربتها المرنة.

في المراحل المقبلة، من المتوقع أن تضطر الحكومة والبنوك الصينية لتكثيف التزامها بمعايير السوق الحرة، وستتزامن هذه الخطوة مع ارتفاع عدد البلدان المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، ومطالبة المجتمع الدولي بتوسيع هامش التدقيق والشفافية في عمليات التعاقد والتمويل وتنفيذ المشاريع.

لا يزال الوقت مبكرا على إطلاق استنتاج نهائي، لكن تشكل مقاربة بكين الجديدة فرصة مثالية وعملية لنفي الاتهامات القائلة إن الصين تستعمل «مبادرة الحزام والطريق» خدمة لمصالحها الاقتصادية الخاصة وطموحاتها السياسية إقليميا، وإذا تمسكت الصين بهذا المسار، فستتمكن من استرجاع سمعتها الحسنة باعتبارها شريكة حقيقية لباكستان وبلدان أخرى، حتى أنها قد ترسخ مفهوم الازدهار والأمن الاقتصادي المشترك في المنطقة.

زوي لونغ

*»ريل كلير»

back to top