رياح وأوتاد: فرنسا تنتفض... فما بال الكويت؟

نشر في 14-08-2019
آخر تحديث 14-08-2019 | 00:09
 أحمد يعقوب باقر تحت عنوان «فرنسا تنتفض ضد الإنكليزية»، نشرت «الجريدة» يوم الأربعاء المضي خبراً مهماً عن اهتمام السلطات في فرنسا باللغة الفرنسية، وذلك بعد أن لاحظ وزير الثقافة ومراقبون انصراف الفرنسيين إلى استخدام مفردات وتعبيرات إنكليزية. وجاء في الخبر أن قانوناً فرنسياً صدر عام 1994 يلزم المحطات التلفزيونية بدبلجة البرامج الناطقة بغير الفرنسية، كما يلزم محطات الإذاعة بتشغيل أغانٍ فرنسية، بما لا يقل عن 40% من محتوى البث، وغير ذلك من الواجبات.

والمضحك في الخبر أن هذا القانون واسمه قانون «لورا بوتون» هو تفسير للمادة الثانية من الدستور الفرنسي التي تنص على أن لغة الجمهورية هي اللغة الفرنسية.

هذا النص ذكرني بالمادة الأولى من دستور الكويت، وأيضاً المادة الثالثة التي تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، ولكن هاتين المادتين لم تلقيا الاهتمام الواجب، شأنهما شأن الكثير من مواد الدستور.

فالملاحظ في السنوات الأخيرة أن الإبداع في «العربية» الأصيلة قد اختفى أو كاد في الشعر والأدب والخطب، أما الأخطاء البلاغية والإملائية والنحوية فتملأ وسائل التواصل الحديثة وكذلك خطابات المسؤولين الذين لا يحسنون حتى قراءة آيات القرآن الكريم المكتوبة لهم في خطبهم، كما تم توقيع عقود بالمليارات دون ترجمتها إلى اللغة العربية مثل عقد «الداو».

لم نعد نسمع أو نشاهد الخطب الرنانة المليئة بالتشبيهات الذكية والاستعارات المكنية وغير المكنية، والاستشهاد بأشعار الحكمة وسحر البيان.

لقد كان إدخال اللغة الإنكليزية في المراحل الأولى للدراسة ضربة قاسية للغة العربية التي لم تلاق الاهتمام المطلوب في التعليم ووسائل الإعلام المختلفة، وكم هو مؤلم أن نشاهد ونسمع الأطفال والأحفاد يتحدثون بينهم بالإنكليزية.

إن اللغة الإنكليزية التي يشتكي من تأثيرها الفرنسيون اليوم هي قريبة كل القرب من اللهجات الحديثة التي يتكلم بها الناطقون بالإنكليزية، إذ تواجه الناس في الأفلام والمسلسلات وعلى الإنترنت وفي الإعلانات والشوارع وفي السفر وفي العلوم المختلفة، بينما تبعد اللهجات العربية الحديثة عن اللغة العربية الأصيلة بعداً هائلاً في سائر نشاطات حياتنا اليومية.

إن اللغة العربية لغة القرآن الكريم المعجز والمليء بالبيان والإعجاز البلاغي والعلمي، وهي لغتنا الجميلة، لغة الشعر ديوان العرب، ولغة الأدب، والإبداع في ملامسة المشاعر، والحكمة والتاريخ، فلماذا لا تلاقي الاهتمام نفسه من السلطات في البلاد العربية؟! ألا يعلمون أن أي أمة لن تبدع إلا بلسانها هي، وإلا فستظل دائماً أمة تابعة لغيرها؟

لقد كان العرب هم الأجدر بالانتفاض من فرنسا، لأن غزواً شاملاً يوشك أن يزيح من قلوبهم وأعمالهم أجمل ما أبدعته أمتهم.

هل كان للهزائم المتكررة أثر مدمر على هذه الأمة، فلم تعد تشعر بالخطر، كما قال المتنبي:

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميت إيلام؟

نسأل الله تعالى ألا يكون ذلك صحيحاً.

back to top