الناس طبقات

نشر في 19-07-2019
آخر تحديث 19-07-2019 | 00:04
 د. نبيلة شهاب استثار فضولي وحزني ما رأيته من تغير واضح في سلوك شاب ونظرته للحياة ومستوى طموحه ومدى عطائه بعد عمله في إحدى الوزارات عدة سنوات، عرفته بالطموح العالي والتفاني والإخلاص في كل عمل يقوم به، فهو متفائل واجتماعي في طبع يكسوه التهذيب والأدب.

سألته وأنا أعرف مدى طموحه وحبه في أن يطور نفسه، فرد عليّ: "أي طموح وأي أحلام مع وزارات تقتل كل إبداع عند الفرد؟"، وبدأ يحكي لي عن سنوات بحسب تعبيره "سنوات ضاعت من عمري وهي أفضل السنوات"، يقول: من اللحظة التي توقع فيها الحضور صباحاً يبدأ الإحباط، روتين قاتل وطرق لأداء الأعمال عفا عليها الزمن، وإن تقدمت بمقترح لتطوير العمل وجدت جمهورا من المعارضين، وأكثرهم ممن لا يعملون ولا يتركون المخلصين يعملون، والسبب هو الخوف من انكشاف فشلهم مهنياً.

وأضاف: تتقبل الأمر الواقع وتنزل الى مستوى عمل يناسب الستينيات ليس فيه تطوير للبلد ولا أي خدمة محترمة وسريعة للمواطن، فتقربت في العمل من مجموعة شباب طموحين، حاولنا قدر استطاعتنا التغيير البسيط جدا في مصلحة العمل لنُفاجأ ذات يوم بالمسؤول عنا يطلب منا التوقف عما بدأناه، وقال حرفياً: "يعني شاطرين طالعين لنا بطرق غير عن اللي نمشي عليها"، أجبناه: "الغرض هو تحسين عملنا والإسراع في خدمة المواطن، ليش نأجل عمل المواطن اللي ينقضي بنص ساعة الى أيام؟". لم يعجبه الكلام ورد بغضب: "تتحملون إنتو المسؤولية إذا صار أي خطأ".

الخلاصة رجعنا إلى نقطة الصفر، وألغينا كل ما كنا نفكر فيه من تغيير للأفضل، وتحسين العمل بناء على طلب "مسؤولنا الحبيّب"، كالعادة، وأعتقد أن هناك موظفين في كل الوزارات فوق الكل (الطبقة العليا) هم الذين لا يداومون ونعرفهم من أسمائهم في الكشوف فقط، وآخر الشهر يتسلمون رواتبهم مثلي أن الذي أخرج من الساعة 5.30 من البيت لأصل في وقتي المحدد مع الزحمة الخانقة المتنامية.

المخزي أن ذوي الطبقة العليا إذا تفضلوا على المسؤول وحضروا يعمل لهم حفلة استقبال من الترحيب والشكر! إي نعم الشكر على حضورهم وبلا خجل ولا ذرة كرامة، وعلى فكرة إجازاتنا يتم قبولها أو رفضها بعد أخذ رأيهم، ودون مبالغة قد تتغير مواعيد الإجازة، وقد تلغى والسبب مصلحة العمل! وكوني وقلة معي نتفانى في عملنا وننجزه على أحسن وجه تتم مكافأتنا بتكليفنا بالقيام بكل الأعمال، وليس هناك أحسن من هذه المكافأة!!

ولكي لا نبخسهم حقهم المجموعة المقربة اللي تحضر كل يوم ومهامها خطيرة وفريدة بعد التوقيع تتم مراسيم جلسة السوالف والضحك والريوق الذي يمتد طول اليوم بمكتب المسؤول!! أي إبداع وأي طموح نتوقع وجوده؟!

المؤسف جداً جداً أني تغيرت بعد كل هذه الإحباطات وعدم التقدير، وأصبحت أوقع دخول وأطلع أتريق وأتمشى شوي من الرياضة ضروري! وأرجع أنجز "بعض الأعمال" في ساعة، وأوقع خروج وأنهي يوم عملي!

بعد أن استمعت الى شكواه السريعة لم أفاجأ فلا جديد في ذلك!! كما أن ما يجري في الوزارات يجري في الأماكن الأكاديمية مع بعض الاختلاف، لكن الحروب في الأخيرة أقوى وأشد شراسة!

بلا مهادنة ولا تأجيل نحتاج إلى حلول جذرية وتطبيق صارم ودقيق وسريع للقانون وعلى الجميع، وإن كنا نحتاج إلى سنوات للقيام بذلك، ولكن لا بد من لحظة الصفر والبداية، ويجب أن يُكافأ المجد ويعاقب المقصر، وغيره من الحلول الكثيرة في سبيل تعديل اعوجاج سير العمل في كل الدولة، لترتقي وتصل إلى مرحلة التنمية الفعلية الجادة التي تساهم في تطور الوطن وتحسين المعيشة لأفراد المجتمع في جميع مجالات الحياة.

ولكن مع كل التفاؤل الذي في داخلنا، نقول للأسف، يبقى الناس طبقات عند بعض المسؤولين ولا أهمية للاجتهاد والبذل في العمل والإنجاز والإبداع، وأحيانا تكون المصالح الشخصية عندهم أهم من الوطن والمواطن!!

back to top