هل إيران ورقة مقايضة تستخدمها روسيا في علاقاتها مع أميركا؟

نشر في 12-07-2019
آخر تحديث 12-07-2019 | 00:00
No Image Caption
أعاد تكثيف الحوار الأميركي الروسي أخيراً إحياء التخمينات عن احتمال استخدام موسكو إيران كورقة مقايضة في علاقاتها مع الرئيس ترامب، فتستطيع موسكو، وفق هذا الطرح، أن تسحب دعمها السياسي لطهران مقابل تخفيف الضغط الأميركي السياسي والاقتصادي عن روسيا نفسها، ولكن من الضروري ألا نعتبر هذه الاقتراحات أمراً مسلماً به.

لا شك أن الكرملين رحّب، من دون مبالغة، بزيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى روسيا في الخامس عشر من مايو، فبعدما قدّم المحقق الخاص روبرت مولر تقريره إلى اللجنة في شهر مارس، توقعت السلطات الروسية أن تنطلق قنوات التواصل مع الولايات المتحدة بزخم جديد. وهدفت زيارة بومبيو إلى سوتشي إلى إرساء «مقاربة شبيهة بما نراه في عالم الأعمال» ودفع الروس والأميركيين في هذه الأثناء إلى الإعراب عن انفتاح أكبر على التسويات، ولكن للتوصل إلى تسويات مماثلة، يحتاج كلا الطرفين إلى أوراق مقايضة، وترى السلطات الأميركية إيران أحد «أصول التبادل» هذه التي يملكها الكرملين في جعبته.

عقبَ زيارة بومبيو فيض من التخمينات المرتبطة بهذه المسألة. على سبيل المثال، أشارت «بلومبيرغ» إلى رفض روسيا المزعوم تزويد إيران بأنظمة إس-400 الصاروخية، وتحدث آخرون عن أن موسكو قد ترى مكسباً ما في تعزيز الضغط على إيران نظراً إلى مصالح موسكو الخاصة في سوق النفط العالمية، تستند هذه النظرية إلى فكرة أن انخفاض صادرات إيران النفطية قد تمنح روسيا عذراً لتصرّ على رفع حصتها من إنتاج النفط ضمن إطار ما يُعرف باتفاق فيينا، وهو صفقة بين منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وبعض الدول الأخرى التي لا تنتمي إليها وعلى رأسها روسيا هدفها الحد من إنتاج هذه الدول النفطي بغية إبقاء أسعار النفط مرتفعة. تسمح خطوة مماثلة للكرملين بزيادة إنتاجه، علماً أن هذا مطلب نادى به منتجو النفط الروس، وخصوصاً شركة روسنفت التابعة للدولة، مراراً منتقدين في الوقت عينه هذه الصفقة مع أوبك والحصص التي فرضتها على إنتاج النفط.

حاول الكرملين مقايضة موقفه الداعم لإيران بعلاقات أفضل مع الغرب مرتين في السابق: في تسعينيات القرن الماضي وفي العقد الأول من هذه الألفية، لكن هذه الخطوة لم تؤدِّ مطلقاً إلى نتائج جيدة، جاء الانفتاح الأخير على الغرب على حساب إيران في عام 2009، حين اقتضت ضمناً سياسة «إعادة الضبط»، التي اتبعها ميدفيديف وأوباما (وإن بحكم الواقع لا بموجب توافق خطي)، ضرورة أن تحد روسيا من شراكتها مع إيران. نتيجة لذلك، تراجعت روسيا في عام 2010 عن اتفاقها تزويد طهران بأنظمة إس-300، فأدت هذه الخطوة إلى انعدام ثقة تاريخي بين روسيا وإيران وضاعف شكوك طهران حيال موسكو. بالإضافة إلى ذلك، أخفقت سياسة «إعادة الضبط»، ما حرم روسيا بالتالي من أي مكاسب في علاقتها مع الولايات المتحدة قد تبرر «خسائرها» في علاقتها مع إيران.

فضلاً عن الأزمة السورية، تعاونت موسكو وطهران في مجموعة واسعة من المسائل، من الطاقة إلى الأمن في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، ولروسيا في هذا التفاعل مصالح لا تقل أهمية عن المصالح الإيرانية. تتذكر موسكو بوضوح أن تعاونها الفاعل مع طهران ساهم في إيقاف الحرب الأهلية الدموية في طاجيكستان في مطلع التسعينيات، كذلك اعتبر الكرملين موقف طهران من الحرب الروسية ضد جورجيا عام 2008 مؤيداً لروسيا بحكم الواقع، وأخيراً، كان سيصعب بالتأكيد تبني اتفاق نموذجي تدعمه موسكو بشأن الوضع القانوني لبحر قزوين من دون موافقة إيران في عام 2018. نتيجة لذلك، لا تستطيع موسكو تحمل تبعات تخريب حوارها مع إيران.

علاوة على ذلك، لا نرى بوضوح ما قد تقدّمه الولايات المتحدة لروسيا في هذه المرحلة. صحيح أن ترامب يدّعي أن اكتشافات مولر تبرهن غياب «التآمر» مع الكرملين، إلا أن صورة روسيا لم تتحسن في عالم الولايات المتحدة السياسي، وسائل إعلامها الرئيسة، ومؤسستها الحاكمة، وبما أن الانتخابات الأميركية ستُعقد بعد سنة تقريباً، لا يملك الرئيس الأميركي الكثير ليقدّمه لروسيا من دون أن يتكبد كلفة سياسية عالية في هذه المرحلة التي تسبق انتخابات عام 2020، وخصوصاً أن تحسين العلاقات مع روسيا يتطلب إعادة النظر في سياسات الولايات المتحدة بشأن عدد من المسائل الرئيسة، منها ضم شبه جزيرة القرم، ودعم روسيا الحرب في شرق أوكرانيا، ومشكلة التدخل في الانتخابات.

نتيجة لذلك، تلتزم روسيا بمسار مواصلتها توسيع أجندتها مع إيران ساعيةً إلى تحسين نوعيتها. أظهر اجتماع اللجنة المشتركة في أصفهان أن موسكو مستعدة لتكثيف علاقاتها الاقتصادية مع إيران ومساعدتها حتى في التملص من العقوبات الأميركية، ففي 2018، ظلت التجارة الروسية-الإيرانية بالمستوى الذي كانت عليه في عام 2017، رغم الضغوط الأميركية، ووصلت إلى 1.7 مليار دولار.

بالإضافة إلى ذلك، عكست التجارة الثنائية خلال النصف الأول من عام 2019 ميول نمو إيجابية، مما عزز الأمل بأن يتخطى مستوى التجارة بين هذين البلدين الملياري دولار بحلول نهاية هذا العام. قد تكون قدرة روسيا على تجنيب الاقتصاد الإيراني تأثيرات العقوبات الأميركية السلبية محدودة جداً، إلا أن ذلك لا يعني أنها معدومة.

نتيجة لذلك، تبحث موسكو راهناً عن مجالات تعاون محتملة قد لا تتأثر مباشرةً بالعقوبات. على سبيل المثال، تخطط روسيا لزيادة صادراتها من المنتجات الزراعية التي تؤدي دوراً أساسياً في أمن إيران الغذائي، مثل إمدادات الحبوب واللحوم الروسية، كذلك وضعت السلطات الروسية بالتعاون مع كازاخستان خططاً طموحة لتحويل إيران إلى محور تجارية يتيح لها إيصال قمحها إلى أسواق أخرى في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

ما زال الكرملين مهتماً أيضاً بتعزيز التعاون مع إيران في مجال النفط والغاز. أعربت شركة غازبروم في هذا الإطار عن نيتها مساعدة إيران في تطوير بنيتها التحتية في قطاع الغاز. كذلك تناقش هذه الشركة الروسية مشاريع نفظية مشتركة محتملة في بحر قزوين. أما التعاون في مجال الاستثمار، فيركز في الوقت الراهن على بناء محطة طاقة بوشهر، محطة طاقة سيريك (بدأ العمل عليها في عام 2017)، ومشاريع سكك الحديد الروسية، إلا أن موسكو ترى طرقاً عدة لتوسيع مشاريعها في هذا البلد، لكن المسألة الأكثر أهمية في تعزيز التعاون تبقى نية الطرفين معالجة مشكلة المعاملات المالية. يسعى كلا البلدين حالياً إلى تقوية الروابط المباشرة بين النظامين المصرفيين الروسي والإيراني وتفادي جزئياً «العملات الثالثة» (وعلى رأسها الدولار الأميركي) في معاملاتهما المالية.

بالإضافة إلى ذلك، تعلمت موسكو الكثير من تجربتها عندما ساعدت فنزويلا في التصدي للضغط الأميركي، وبإمكانها استخدام هذه الخبرة في مسألة إيران. على سبيل المثال، أقامت موسكو وكاراكاس الرابط المالي المباشر ذاته وتستعملان الروبل الروسي في معاملاتهما المالية، كذلك تخطط روسيا للتجارة بالنفط الفنزويلي. فستزود كاراكاس شركات النفط الروسية بنفطها الخام بأسعار أدنى أو كدفعات مقابل سلع روسية، ولن يذهب هذا النفط إلى روسيا بحد ذاتها، بل ستبيعه الشركات الروسية إلى الصين، والهند، وغيرهما من المشترين. في مطلع عام 2019، طُرحت خطط مشابهة على الإيرانيين، فمقابل مساعدتها، طالبت موسكو بحصولها على وجود أكبر في قطاع النفط والغاز الإيراني، لكن الجانب الإيراني أعلن بأسلوب شبه علني أنه لا يرغب في المساعدة الروسية لأنه اعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيحمي طهران من الضغط الأميركي، فاعتبر الكرملين هذا الرد إهانة شخصية، لكن موسكو قد تعاود عرض مساعدتها لقاء الثمن الباهظ ذاته في إيران، وخصوصاً أن خيارات طهران تلقصت كثيراً في الآونة الأخيرة.

يعتمد مستقبل العلاقات الروسية-الإيرانية إلى حد كبير على نتائج المواجهة الأميركية-الإيرانية، صحيح أن موسكو لن تضغط على طهران لتحسّن علاقاتها مع الولايات المتحدة، إلا أنها قد تؤدي دور الوسيط، ولكن إذا واصلت الأزمة تفاقمها وأعربت إيران عن استعدادها لمنح روسيا قدرة أكبر على ولوج اقتصادها، فباستطاعة موسكو أن تزيد تدريجياً دعمها إيران من خلال مشاركتها في خطط مريبة للتهرب من العقوبات وتقديمها تأييداً دبلوماسياً محدوداً.

نيكولاي كوزهانوف *

back to top