العرب قوة لا يدركها قادتهم

نشر في 09-07-2019
آخر تحديث 09-07-2019 | 00:07
 علي البداح حين أتابع حالة التبعية للولايات المتحدة والخوف من كل صوت عال وهذا الخضوع والركوع أمام الابتزاز المتكرر الممجوج فإن حيرة قاتلة تحيط بي، لأن الحال يجب أن تكون مناقضة لكل ما يفعل ويقول قادة العرب. نحن نتعامل مع الأميركيين وكأننا أيتام لا أهل لنا ولا حول ولا قوة، ولم نر أو نسمع تصريحا واحداً يظهر قوة العرب وإمكاناتهم وقدرتهم على الوقوف ندا مع أي طرف خارجي، وأولهم الصديق المنافق والمبتز الأكبر الولايات المتحدة الأميركية.

العرب يملكون كل مقومات القوة، وعلى رأسها النفط والتحكم بالتجارة العالمية، بحارنا وممراتنا وأسواقنا وموقع أمة العرب في وسط العالم، ناهيك عن وحدة العروبة التي تم طمسها وتغييبها عن أذهان أجيالنا الجديدة.

الولايات المتحدة ليست هي الرئيس الذي يسكن البيت الأبيض أيا كان هذا الرئيس، إنما هي مجموعة المصالح التي تحكم وتتحكم في كل السياسات وتملي على ساكن البيت الأبيض ما تريد، ولا أعرف لماذا لم يفعل العرب وهم أصحاب مال وموارد مؤثرة ما فعلته دول ومؤسسات كثيرة في العالم، عرفت أين ومن يصوغ سياسات الولايات المتحدة، وبثت أعينها ومصالحها لتمارس تأثيراً لمصالحها في هذه السياسة، أو للحصول على دعم مستمر لقضاياها، وفي الولايات المتحدة تنشط مجموعات تمثل دولا أو منظمات لشعوب تسعى إلى كسب مقرري السياسة في الولايات المتحدة، وحققت مكاسب كثيرة، ولعل اللوبي الصهيوني والإيراني والروسي أفضل الأمثلة لهذا التأثير. قبل سنوات كتبت لرئيس غرفة التجارة والصناعة اقتراحا بتوجيه المستثمرين الكويتيين للتعاون مع النواب والشيوخ الأميركيين والمؤسسات النافذة بدلا من مشاركة أناس لا يعرفونهم، ولم يلق الاقتراح قبولا، فالساسة الأميركيون لا يعرفون لغة العواطف والمبادئ والأخلاق وإن ثرثروا فيها كثيرا، والمصلحة هي اللغة التي يعرفونها، ونحن نملك ونودع المليارات هناك بدون أي تأثير يذكر. لماذا؟ لأن أحداً من قادتنا لم يتجرأ أن يستخدم هذه القوة، ولأن منظمات العمل المدني ليس بينها رابط ولا داعم لتكوين مجموعة صداقة وضغط داخل الولايات المتحدة، فقد وصل عدد العرب الأميركيين إلى عشرين مليون نسمة، ولكن لا حول ولا قوة لهم، وهم الأدنى تأثيرا داخل الولايات المتحدة.

الأميركيون بطبعهم وتاريخهم يحترمون القوة ويقدرون الرجل القوي، أما الضعيف فلا مكان له عندهم لهذا الرئيس الأميركي يهين ويدوس في بطون قادتنا ويغضب باحترام من دول مشاغبة مثل إيران، أشيط غيظاً كلما وبخ ترامب حاكما عربيا لمساندته الإرهاب ويزداد غيظي عندما يطأطئ الحاكم العربي رأسه، ويعد خجلا بوقف الدعم، مع أنه يعلم أن الولايات المتحدة وحلفاءها هي التي أمرت بتقديم الدعم في أغلب الأحيان لهذه المجموعة الإرهابية أو تلك ممن أعدتهم مخابراتها والصهيونية العالمية لتمزيق الأمة العربية.

إيران أفضل مثال يمكن أن يستفاد من أسلوب تعامله مع الولايات المتحدة، فالحكم الإيراني، وهو لا يختلف في تركيبته أو مقاصده عن أي نظام خليجي، يتعامل تجاريا وعسكريا مع أميركا ويختار من بضاعتها ما يريد ويجيد التفاوض واللعبة السياسية والدبلوماسية، فهو مفيد للأميركيين لكنه يقدم مصالحه على مصالحهم؛ يغضبهم لكنه لا يقطع قنوات الاتصال خاصة قنوات المصالح. قد تكون إيران تجاوزت بعض الخطوط الحمراء، وقد تظن أن دورها يجب أن يكبر وربما تظن أن من حقها الحصول على بعض الفوائد مما تراه ضعفا عربيا، لكنها تعرف أين، ومتى تقف، خصوصا أن تجربة شاه إيران وصدام حسين ماثلة أمامهم، وفي الوقت المناسب ستختار السلامة وحماية النظام، لكن إيران ستحاول كسب نقاط ولن تغضب الأميركيين لحد القطيعة.

في فترة الحرب العراقية الإيرانية تحدث السيد علي خامئني لبرنامج ٦٠ دقيقة الأميركي بقوة ضد النظام الأميركي في الفترة نفسها التي كان أحمد الخميني يفاوض الأميركيين لتزويد بلاده بالسلاح، لذلك فإن العرب لديهم مؤسسات ومنظمات كثيرة يمكن تفعيلها لتكون لها كلمة مسموعة ومحترمة لدى الأميركيين وكل الدول الأخرى.

لا أحد عاقلا يطالب بوقف التعامل مع الأميركيين، لكن من المؤكد يجب أن يتوقف هذا الخضوع والتبعية لكل ما تقدمه أو تقوم به، إذا كانت لعبة المصالح هي التي تجمعنا مع الأميركيين واتقاء شرهم فلنختر البضاعة التي تخدم مجتمعاتنا وتقدمها وتطورها، والمليارات التي تذهب للسلاح يمكن أن تذهب لشراء التقدم التقني وأنظمة التعليم والطب والصناعة وبناء نظم إدارية حديثة، لنشترِ منهم ما يوفر مستقبلا أفضل لأمتنا بدلا من أدوات الدمار.

حافظوا على صداقتكم لكن احتفظوا بكرامتكم وضعوا مصلحة الأمة فوق كل اعتبار.

back to top