عبدالرحمن مقلد: «نصوص المساكين» توجتني بجائزة الدولة التشجيعية في مصر

نشر في 03-07-2019
آخر تحديث 03-07-2019 | 00:03
اعتبر الشاعر عبدالرحمن مقلد أن فوزه بجائزة الدولة التشجيعية، التي حصل عليها مؤخرا، انتصار لجيل كامل من شباب الشعراء في مصر، مضيفا أنها المرة الأولى التي تمنح فيها الجائزة لشاب دون سن الأربعين.
وأضاف مقلد، في حوار مع «الجريدة»، أن ديوانه الفائز بالجائزة «مساكين يعملون في البحر» يمثل نقلة مهمة في مسيرته الشعرية، مؤكدا أن الشعر لم يغب عن الساحة الأدبية ويحيا بقوة.
• ماذا تقول عن فوزك بجائزة الدولة التشجيعية؟

- أشكر دائما القراء، فهم مانحو الجوائز الحقيقيون، وهم من يمنحون الشاعر رئتين ليتنفس، ويمنحون قصائدهم الدوام، وأرى أن جائزة الدولة التشجيعية التي فزت بها تكون دائما الأقرب لمزاج القراء وهواهم، وخصوصا القراء من الشباب، وأتمنى مزيدا من التوفيق لـقراء "الجريدة" كواحدة من أهم الصحف العربية.

• هل يختلف شعورك مع كل جائزة؟

- الحقيقة ما يسعدني دائما أن هذه الجوائز تأتي من بلدي مصر، وتأتي مستحقة وفي وقتها، وأفرح بها لأنني أعتبرها مكافأة لمجتهد ومؤمن وسائر في طريق شاق ومليء بالعثرات، هو طريق الشعر، فحين تأتي الجوائز أشعر أنني أحوز شيئا من هدايا الشعر، وأعتبرها إشارات لإكمال الطريق.

وهذا يؤكد أن الشعر يحيا وبقوة، فالجائزة شيء مهم، طالما أنها تذهب لمستحقيها، ولا تفرض نمط كتابة معينا، كبعض الجوائز التي تحدد موضوعا أو شكلا معينا وتقصي الآخرين، ولا يفوز بها شاعر مبدع لنصه إنما شاعر مقلد ونمطي، نحتاج للمزيد من الإبداع الحر، لا الكتابة الميتة.

• هل للشعر حضوره القوي في الواقع أم للرواية؟

- الشعر حاضر بقوة، ومن لا يصدقني يذهب لمنصات النشر، لا أتحدث هنا عن حجم المبيعات بالضرورة، وقوائم الأعلى مبيعا، بل أتحدث عن الأعلى قراءة، أنظر إلى منصات السوشيال ميديا ومواقع الفيديوهات فأجد أن القصائد تحقق قراءات عالية، وأرى أن قصائد ومقتطفات لشعراء، مثل أمل دنقل ومحمود درويش وسعدي يوسف وعبدالرحمن الأبنودي ورياض صالح الحسين وغيرهم في مقدمة "التدوينات" التي تأخذ الطابع الأدبي.

وناديت مرارا بأن تكون هذه الظاهرة محل دراسة من نقاد ودارسي الأدب، كما أن ثنائية وضع الشعر مقابل الرواية ليست في محلها، وأعتقد أن واضعها د. جابر عصفور لم يكن يقصد إقصاء للشعر ولا رصداً لتراجع قراءته والاستماع إليه، وإنما كان يقصد زمن الرواية باعتبارها شاهدة ومدونة للأحداث وأحد روافد التأريخ الحقيقي وبوصفها سجلاً لحيوات المهمشين.

• حدثنا عن الديوان الفائز "مساكين يعملون في البحر"؟

- هذا هو ديواني الثاني بعد ديوان "نشيد للحفاظ على البطء"، وأنا بصدد إصدار ديوان ثالث هو "عواء مصحح اللغة" سيصدر قريبا، وأرى أنني في "مساكين" وصلت لمرحلة من الاستواء الكتابي بدرجته الأولى، بمعنى أن هناك صوتا مختلفا رصده النقاد، وهذا صوت راسخ وقوي، ويحتاج الآن إلى هزات وزلازل للخروج من رسوخه والوصول إلى مرحلة من السيولة والانسياب المحكم القادر على تقديم روح جديدة في الكتابة الشعرية العربية، وهذا ما أعمل عليه الآن الانتقال إلى ما بعد مرحلة القوة والصلابة إلى مرحلة اكتشاف النار وصياغة القوانين وتقديم المعرفة.

خيال الشعراء

• مشغول أنت بالحرب ألا ترى أن الواقع فاق خيال الشعراء؟

- وكيف لا ينشغل الشاعر العربي بكل هذا، نحن نعاصر بلداناً عربية تتهاوى، ونشهد حروبا أهلية وقتلا على الهوية وحرقا للبشر أحياء، نشاهد غرقى يتحولون لغذاء للأسماك وهم يهربون من جحيمنا العربي، نرى سجونا تزيد وقمعا يشتد ونعاصر موت القضايا العروبية.

نعم الواقع بكابوسيته وسواده أكبر من القصائد، لكننا لا نملك إلا أن نقاوم وننشد الحرية ونغني ضد الحرب ونحتفل بالفن والتمرد والقيم البشرية، ونكتب قصائد حب ونبشر بالخلاص العربي، ونكون ضميرا حيا لأممنا وندعو للوحدة ونبذ الفرقة ونزيد فرص التلاقي والتواصل، ونذهب للمزيد من العمق في عصر سطحي تسود فيه التفاهة... كل هذه مهمات على عاتق الشعراء.

• ماذا عن البيئة والمكونات الثقافية وأبرز من تأثرت بهم؟

- ولدت في قرية متفردة في أقصى شمال مصر، تقع بين نهر وبحيرة وعلى مشارف البحر، عشت في الحقول ورأيت طيورا وحيوانات وأسماكا انقرضت... شاهدت بكارة البيئة ومشيت في أماكن لم تسر فيها أقدام كثيرة من قبل... كان هذا من حظ الشاعر.

كما أن محافظتي، التي جئت منها للقاهرة هي دمياط، التي تشتهر بصناعة الأخشاب، وأنا عملت في هذه المهن أعواما طويلة، وتعلمت كيف أتعامل مع المادة الخام وأطوعها لأصنع منها أشكالا جمالية مفيدة للبشر، والشعر في بدئه مادته الخام اللغة والموسيقى والمعرفة، ويحتاج للمهارة المكتسبة والصبر لصنع المزيج الخاص.

• عنوان ديوانك الأول "نشيد للحفاظ على البطء" يحمل معنى الكسل فماذا عنه؟

- ليس الكسل أبدا... لكن الديوان ينحاز لقيم التمهل والتأمل والصبر والتؤدة ويمدح البطء ممثلا له بالسلحفاة التي تتحدى السرعة والأخذ بالمظهر وتعيش لمئات السنوات تتأمل الحياة وتمتلئ بالمعرفة والخبرة.

الحركة النقدية

• هل واكبت الحركة النقدية أعمالك كما ينبغي؟

- أعتقد ذلك، ديواني الأول من حظه أنه وقع في غرام الشاعر والناقد سامح الحسيني، وقدم عنه دراسة مبهرة تعتبر في ذاتها إبداعا موازيا للعمل... والمساكين كتب عنه الكثيرون من نقاد وشعراء متحققين... الأهم أن يقرأ الناس الأعمال ولا تبقى حبيسة النخب.

• تنحاز إلى قصيدة النثر هل أثبتت أحقيتها فى الواقع وهل انتهى الصراع بين التفعيلة والنثر؟

- أنحاز للنص الجيد الحقيقي الصادق الذي ينتمي لصاحبه، نثرا كان أو تفعيليا أو عموديا... الأهم هو الإبداع الحقيقي... كثير مما يكتب نثراً اليوم لا ينتمي للشعر وكثير مما يكتب موزونا إعادة لإنتاج نصوص آخرين... والرهان على ما يقدمه الشاعر الحقيقي في سعيه للفرادة ووعيه بقضيته وأفكاره وتبنيه مواقف تخصه ويؤمن بها.

• ما رأيك في المشهد الشعري المصري والعربي الراهن؟

- مشهد عارم مرعب جليل... لدينا شعراء من كل الأقطار العربية... يقدمون إبداعا فذا ومختلفا يعبر عما تعيشيه بلداننا العربية من مآس وكوارث... نحتاج لمن يرصد هذه الظواهر، على المؤسسات العربية أن ترعى النقاد والدارسين ليدرسوا ويعملوا بجد على رصد وتقييم العقل المبدع العربي، يجب ألا تترك هذه الأمور للأفراد... على الصحف والمجلات أن تدفع أكثر للنقاد والدارسين، وتشجعهم على العمل الجاد لأننا نحتاج لهم... العقل العربي تائه ومرتبك ويحتاج لمن يقيمه.

• ماذا عن أحدث مشاريعك الشعرية؟

- انتهيت من ديواني الجديد "عواء مصحح اللغة"، وسيصدر قريبا، وأتمنى أن ينال ثقة القراء.

المجاز اللغوي والبلاغي

فاز مقلد بجائزة الدولة التشجيعية في الشعر عن ديوانه "مساكين يعملون بالبحر"، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2016، ويضم الديوان 18 نصا، ويجمع الشاعر في ديوانه بين طبيعة القصيد النثري الجديد مع طبيعة القصيد التفعيلي، ويكشف موقفه من المجاز اللغوي والبلاغي الذي استنفد طاقاته.

كما يكشف موقفه الجمالي من الغناء والغنائية، وانحيازه إلى ما أهمل في فضاء اللغة، فيقول: "أما المجاز فألقوه، هذا الهلامي، للحوت، لا وقت للأبهاء الذي يفتن القلب، أو يأخذ القلب بتنهيدة، ويداوي الجروح.

وسبق لمقلد أن حصل على الجائزة الأولى في مسابقة الشعر العربي من المركز الثقافي المصري بباريس، وصدر له أيضا ديوان "نشيد للحفاظ على البطء"، والفائز بالمركز الأول في مسابقة هيئة قصور الثقافة عام 2011.

أنحاز للنص الجيد الصادق الذي ينتمي إلى صاحبه نثراً كان أو تفعيلياً

ديواني "مساكين يعملون في البحر" للمهمشين والبسطاء وليس للنخبة
back to top