ما قــل ودل: هل ظلمنا الدستور والقانون في الاستجواب؟

نشر في 30-06-2019
آخر تحديث 30-06-2019 | 00:09
 المستشار شفيق إمام مقولة لإمام الفقهاء وأستاذهم

قالها الدكتور عبدالرزاق السنهوري بحق "القانون يعدل بيننا لكننا نحن نظلمه"، وننأى بقوله بأن الاستجواب وطرح الثقة حق وعدل، وقد تضمنهما الدستور أبو القوانين، والذي يسمو عليها جميعا، ودستور الكويت يسمو على غيره من دساتير الوطن العربي بالحريات العامة التي كفلها، وبالنظام الديمقراطي الذي جعله أساسا لحكم البلاد، وبالفصل بين السلطات الذي هو جوهر هذا النظام، وبأدوات الرقابة البرلمانية، ومن بينها الاستجواب.

وقد طالعنا استجواب ثان قُدم إلى وزير المالية د. نايف الحجرف قبل أقل من أسبوعين من قرار مجلس الأمة الذي اختتمت به مناقشات الاستجواب الأول الذي قُدم إليه، بما انتهى إليه هذا القرار من الانتقال إلى جدول الأعمال، فلم يكن في حسبان أحد بعد أن فنّد الوزير، من النواحي الدستورية والقانونية والمنطقية، كل ما وُجه إليه من اتهامات وانتقادات، في وقائع حدثت قبل حمله الحقيبة الوزارية، واستنفدت أغراضها وأثقالها قبل ذلك، وبعضها وصل إلى ساحة القضاء، لم يكن في حسبان أحد توجيه استجواب جديد للوزير، ولم يجف بعد مداد الاستجواب الأول وقرار المجلس سالف الذكر.

المحاكمة السياسية

والآن وقد وقّع عشرة أعضاء على طلب طرح الثقة بالوزير، ودون الدخول في محاور الاستجواب، ومن منظور دستوري وقانوني لا أملك سوى أدواته، فإن أعضاء مجلس الأمة مدعوون في جلسة خاصة يوم الأربعاء 3 يوليو ليعقد مجلس الأمة محاكمة سياسية للوزير، وسوف يتحول نواب مجلس الأمة إلى قضاة في ما وُجه إلى الوزير من اتهام في تقصيره في أداء واجباته أو إخلاله بالثقة والاعتبار دون تحديد الوقائع التي بني عليها طلب طرح الثقة، فالمناقشات التي جرت في مجلس الأمة لا تساعد على هذا التحديد، وهو ما يعرف في الادعاء العام أمام المحاكم القضائية بقائمة الاتهام.

ولئن كان العرف البرلماني قد جرى على عدم تسبيب طلب طرح الثقة، لخلو اللائحة الداخلية لمجلس الأمة من نص يلزم بذلك، إلا أن أصول المحاكمة السياسية المنصفة والعادلة توجب ذلك في طلب طرح الثقة بالوزير، بغرض إقصائه من منصبه، حتى يتاح لسائر أعضاء المجلس التعرف على أسباب هذا الطلب للتصويت عليه بعدالة وإنصاف.

ومصداقاً لذلك يحرص دستور الولايات المتحدة الأميركية على أن يوفر لهذه المحاكمة ضمانة قضائية مهمة هي الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة الحكم، حيث يصوت مجلس النواب على قرار الاتهام، وتكون المحاكمة أمام مجلس الشيوخ.

وقد كفل دستور الولايات المتحدة الأميركية لمحاكمة رئيس الجمهورية، المسؤول وحده سياسيا أمام البرلمان، وفقا للنظام الرئاسي الضمانات ذاتها المقررة للمحاكمة القضائية، فأوجب على أعضاء مجلس الشيوخ عند محاكمتهم رئيس الدولة أن يحلفوا يمينا بأن يحكموا بالعدل باعتبار هذا القسم ضمانة جوهرية وأساسية تحميهم عند إصدار قرارهم من الالتزام الحزبي، كما يتولى رئاسة مجلس الشيوخ في هذه المحاكمة رئيس المحكمة العليا الفدرالية الذي يحلف أعضاء المجلس اليمين أمامه بأن يحكموا بالعدل.

حماية العدالة

ويزخر القرآن الكريم بآيات بينات عن العدالة، يقول المولى عز وجل: "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ". ويقول سبحانه مخاطباً رسوله، صلى الله عليه وسلم: "وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ". ويقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: "عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة"، ويقول أبو مسلم الخولاني: "إذا عدلت مع أهل الأرض جميعا وجرت في حق رجل واحد فقد مال جورك بعدلك".

تلك هي الآيات الكريمة التي ستكون النبع السامي الذي يستمد منه أعضاء مجلس الأمة قرارهم بل حكمهم الذي خلوا إلى أنفسهم للمداولة فيه في طلب طرح الثقة بالوزير، وستستمر المداولة حتى النطق بالحكم في الثالث من يوليو الجاري بعد الاستماع إلى اثنين ممن يؤيدون الطلب واثنين من المعارضين.

وفي ظلال العدل الذي هو أسمى الغايات وأنبلها قصداً، سوف يصدر قضاة هذه المحكمة حكمهم، فهم أعضاء مجلس الأمة ضمير أمتهم، والوزير وديعة بين أيديهم ليحكموا في أمره بالعدل الذي هو أعز المقدسات وأعلاها، وهم في ما سوف يصدرونه من حكم مدينون لربهم ولأنفسهم بما يعتقدون أنه الحق الخالص، سواء أرضي بعض الناخبين أم سخطوا، وسواء وافق حكمهم هوى هذا البعض أو انحرف عنه، فليس ينبغي للقاضي أن يصدر- فيما يرى من حكم- عما يقوله الناس فيه أو ما يمكن أن يقولوا فيه، يقول المولى عز وجل: "وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ...". والعدل هو بعض ما أنزل الله إلينا في كتابه الكريم بل هو أسمى ما أنزله".

(هذا بعض من مقال كتبته في "القبس" تحت عنوان "محكمة الوزراء وحماية العدالة" في عددها 9859 الصادر يوم الثلاثاء 28/ 11/ 2000).

back to top