مجموعة العشرين في أوساكا

نشر في 25-06-2019
آخر تحديث 25-06-2019 | 00:00
سلاسل الإمداد الكبرى التي تقود الاقتصاد العالمي منذ سنوات عديدة باتت راسخة الآن في المنطقة التي تضم البلدان الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا، وقد استفادت اقتصادات المنطقة من بيئة يتدفق الناس فيها والسلع إلى الداخل والخارج بحرية.
 بروجيكت سنديكيت في الثامن والعشرين من يونيو، سأستضيف قمة مجموعة العشرين لعام 2019 في أوساكا، وسيركز جدول أعمالنا على ثلاث قضايا رئيسة، وكل منها تشكل أهمية خاصة لآسيا.

يتعلق البند الأول على جدول الأعمال بالتحدي الأكثر أهمية في عصرنا في اعتقادي: العمل من أجل الحفاظ على النظام الدولي للتجارة الحرة العادلة وتعزيزه في نهاية المطاف، وهذا يعني، من منظور قادة آسيا، صياغة الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية (RCEP)، وهي اتفاقية تقدمية لتنظيم التجارة الحرة بين الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ودول منطقة المحيطين الهندي والهادئ الست (أستراليا، والصين، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، ونيوزيلندا).

كانت هذه المناقشات جارية لبعض الوقت، والآن يتعين علينا أن نندفع باتجاه خط المرمى.

يتعلق البند الثاني على جدول الأعمال بالاقتصاد الرقمي. كان تحول الاقتصاد إلى التكنولوجيا الرقمية سببا في تمكين نماذج أعمال فريدة وغير مسبوقة، لكنه جلب معه أيضا تحديات جديدة، مثل الإعفاء الضريبي المزدوج للشركات المتعددة الجنسيات، ولن يتسنى لنا حل مثل هذه القضايا إلا من خلال التعاون الدولي.

الواقع أن البيانات التي تسافر على الفور حول العالم لا تبالي بالحدود الوطنية، وأعتقد أن التأثير الاقتصادي والاجتماعي المترتب على هذه البيانات سينافس- بل يفوق- الأدوار التي أداها البترول ومحرك الاحتراق الداخلي في القرن العشرين.

بحكم طبيعتها، تتغلب البيانات بسهولة على العقبات المادية، ولكونها مترابطة في شبكة واحدة، فإن تأثيراتها والمزايا التي توفرها تتضاعف على نحو متزايد، وفي المقابل، في حالة ظهور ما يعادل حتى غرفة مغلقة واحدة في أي مكان، فإن الخسائر الناجمة عن ذلك تمتد إلى الشبكة بالكامل.

تدعو اليابان إلى نظام "التدفق الحر للبيانات مع الثقة" (DFFT)، وهو نهج يحاول السماح بالتدفق الحر للبيانات بموجب قواعد يمكن للجميع الاعتماد عليها. لنعمل إذاً على إعداد القواعد الكفيلة بتمكين الفوائد المترتبة على الاقتصاد الرقمي من الانتشار إلى الجميع في آسيا وفي مختلف أنحاء العالم. ونحن نسمي العملية المفضية إلى تحقيق هذه الغاية عملية "مسار أوساكا"، والتي نأمل في إطلاقها في القمة المقبلة.

غني عن القول إن النقطتين الأولى والثانية- التجارة والبيانات- لا يمكن فصلهما عن إصلاح منظمة التجارة العالمية. لقد مر ربع قرن منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية، وخلال ذلك الوقت، تغير الاقتصاد العالمي بسرعة مذهلة، لكن منظمة التجارة العالمية فشلت في مواكبة هذا التغير، وقد أصبحت العواقب السلبية المترتبة على هذا الفشل واضحة على نحو متزايد.

ماذا ينبغي لنا أن نفعل لكي نعيد إلى منظمة التجارة العالمية أهميتها وتأثيرها مرة أخرى كحارس للتجارة الدولية الحرة والعادلة؟

الواقع أن سلاسل الإمداد الكبرى التي تقود الاقتصاد العالمي منذ سنوات عديدة باتت راسخة الآن في المنطقة التي تضم البلدان الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا، وقد استفادت اقتصادات المنطقة من بيئة، حيث يتدفق الناس والسلع إلى الداخل والخارج بحرية، وهذه الحرية على وجه التحديد هي التي تفسر دينامية دول جنوب شرق آسيا وازدهارها المتزايد.

القضية الثالثة التي ستتناولها قمة أوساكا هي أهمية الإبداع في التصدي للتحديات البيئية العالمية. ومن الواضح أن الأهداف المحددة التي خلص إليها "تقرير 1.5 درجة مئوية" الذي أصدره الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ لا يمكن تحقيقها من خلال الضوابط التنظيمية وحدها. وسيكون الإبداع المعطل للنظم القائمة والقادر على تحويل شيء سلبي إلى شيء إيجابي المفتاح إلى تحقيق أهداف المناخ العالمية.

لنتأمل هنا مسألة غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي جرى التعامل معه في السنوات الأخيرة على أنه الوغد الشرير، ولكن كم هو رائع لو يتحول ثاني أكسيد الكربون إلى "مورد" متاح بأقل سعر وبأعظم قدر من الوفرة! ومن المؤكد أن التكنولوجيات المبدعة مثل التخليق الضوئي الاصطناعي ستجعل مثل هذه الأحلام حقيقة واقعة ذات يوم.

وفي أوساكا أريد لمجموعة العشرين أن تؤكد على أهمية هذا الإبداع، وفي شهر أكتوبر ستعقد اليابان قمة الإبداع الأخضر، التي ستجمع تحت سقف واحد كبار الباحثين وممثلي الدوائر الصناعية والمالية من مختلف أنحاء العالم. ونحن نأمل الاستفادة من حكمة العالم والدخول إلى مستقبل مستدام بضغطة زِر واحدة كبيرة.

في السادس من مارس، تلقيت ست توصيات من أعضاء لجنة "Science20"، التي أنشئت بواسطة أكاديميات العلوم الوطنية في بلدان مجموعة العشرين، ومن أجل الحد من المخاطر التي تهدد النظم الإيكولوجية البحرية والحفاظ على البيئات البحرية، تحث التوصيتان الأخيرتان على "إنشاء نظام محسن لتخزين البيانات وإدارتها على النحو الذي يضمن تمكين العلماء على مستوى العالم من الوصول إليها بسهولة"، فضلا عن "تبادل المعلومات المكتسبة من خلال الأنشطة البحثية التي يجري تنفيذها في ظل تعاون مكثف ومتعدد الجنسيات، للتعجيل بالتوصل إلى فهم شامل للمحيطات العالمية وديناميكيتها". ولهذا السبب على وجه التحديد يتعين علينا أن نضمن "التدفق الحر للبيانات مع الثقة" وتحويل البيانات إلى منافع عامة يستفيد منها العلماء في مختلف أنحاء العالم.

تأتي قمة مجموعة العشرين في أوساكا عند فجر عصر جديد في اليابان- "رايوا" (التناغم الجميل)، وفي الثلاثين من إبريل شهد العالم تنازل صاحب الجلالة الإمبراطور أكيهيتو عن العرش، وهو أول تنازل من قِبَل إمبراطور حاكم منذ 202 عام، وفي اليوم التالي جرى تنصيب صاحب الجلالة الإمبراطور ناروهيتو على العرش. كانت مشاعر الابتهاج بين اليابانيين فيّاضة، وما كنت لأتخيل مقدما كل هذا القدر من المشاعر الرقيقة من الخارج.

علق بعض الناس قائلين إن المقطع "راي" في كلمة "رايوا" له جرس جميل، وقد أشاروا إلى أن النطق كان مثل نطق كلمة "ray" في اللغة الإنكليزية (راي) بمعنى "شعاع من الأمل" أو "شعاع من الشمس".

قلت لنفسي عندما استوعبت كلماتهم: "أستطيع أن أرى ذلك الآن"، وفكرت أن الوقع الإيجابي لهذه الكلمة أشبه بتزيين الكعكة. تذكرني هذه المشاعر بشيء رأيته عندما قمت بزيارة بلدة أوكوما في محافظة فوكوشيما، البلدة التي كانت موطن محطة فوكوشيما دايتشي لتوليد الطاقة النووية، والتي أصبحت موقعا لكارثة بيئية في عام 2011.

في العاشر من إبريل، بدأ جزئيا رفع أمر الإخلاء الذي ظل ساريا في مختلف أنحاء أوكوما لسنوات، وبعد أربعة أيام، في الرابع عشر من إبريل، أقيم حفل لافتتاح مكتب البلدة المنشأ حديثا. وشاركت في الحفل، وهناك التقيت امرأة شابة اسمها آكي ساتو، كانت قادمة من طوكيو بعد الكارثة، لرغبتها في رؤية الوضع هناك بعينيها والقيام بأي شيء في إمكانها للمساعدة.

لم يمض وقت طويل قبل أن تتزوج من رجل محلي، وهي الآن مقيمة في أوكوما، وقد حثتني على إلقاء نظرة على سترة قصيرة حمراء كانت ترتديها، فظهرت الرسالة على ظهر السترة بلغة يابانية مكتوبة بمهارة: "إذا كان لديك الوقت للنظر إلى الوراء، فلتمض قدما إلى الأمام بدلا من ذلك".

الآن يواصل جميع اليابانيين المضي قدما، ويتبادلون بين بعضهم كلمات التشجيع هذه.

كان هذا الموقف الإيجابي طريقة حياة لأجيال من اليابانيين من حقبة ما بعد الحرب والذين جلبوا النمو الاقتصادي السريع، وبحلول ثمانينيات القرن العشرين انتشر هذا الموقف الإيجابي إلى مختلف أنحاء منطقة جنوب شرق آسيا، والآن تحول هذا الموقف إلى طريقة حياة لآسيا الأعرض اتساعا، أي منطقة المحيطين الهندي والهادئ بأسرها، وأنا أعتقد عن يقين أن اليابان الواثقة بالذات هي اليابان المناسبة تماما للمساهمة في خلق مستقبل آسيا.

* شينزو آبي

* رئيس وزراء اليابان.

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

قمة مجموعة العشرين في أوساكا تأتي عند فجر عصر جديد في اليابان عصر التناغم الجميل
back to top