«الوطني»: مواقف معظم البنوك المركزية الكبرى تحولت نحو تبني نبرة تيسيرية

استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي

نشر في 24-06-2019
آخر تحديث 24-06-2019 | 00:04
No Image Caption
لا تزال هناك أسباب كافية تدعو لقلق المستثمرين في ظل مراقبة الاقتصاد العالمي قيام أكبر قوتين اقتصاديتين على مستوى العالم بخوض معركة تجارية ظلت تهز الأسواق على مدار عام كامل تقريباً.
قال تقرير أسواق النقد الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، إن الولايات المتحدة تعتبر بلا شك قوة اقتصادية عظمى، وتخطو في الوقت الحاضر على المسار الصحيح لتحقيق أطول فترة توسع اقتصادي على الإطلاق.

ووفق التقرير، تقترب نسبة البطالة من أدنى مستوياتها منذ 50 عاماً عند 3.6 في المئة، في حين لا تزال معدلات التضخم ضعيفة ودون المستوى المستهدف البالغ نسبته 2 في المئة وذلك ببلوغها نسبة 1.8 في المئة فقط.

ويعرف الجمع بين هذين المقياسين باسم "مؤشر البؤس الاقتصادي"، والذي يشير بوضوح إلى أن الأميركيين أقل بؤساً مقارنة بالفترات السابقة في ظل وصول هذا المؤشر إلى أدنى مستوياته منذ 63 عاماً.

لكن على الرغم من ذلك، لاتزال هناك أسباب كافية تدعو لقلق المستثمرين في ظل مراقبة الاقتصاد العالمي قيام أكبر قوتين اقتصاديتين على مستوى العالم بخوض معركة تجارية ظلت تهز الأسواق على مدار عام كامل تقريباً. فبالإضافة إلى فرض الرسوم الجمركية على ما قيمته 250 مليار دولار من البضائع المستوردة من الصين، أبدى الرئيس ترامب استعداده لتوسعة نطاق الرسوم الجمركية لتشمل البضائع الصينية المتبقية بقيمة 300 مليار دولار.

كما أدرج الرئيس ترامب شركة هواوي الصينية على القائمة السوداء، مشيراً إلى المخاوف الأمنية التي منعت الشركات الأميركية بالفعل من التعامل مع أكبر شركة لصناعة معدات الاتصالات على مستوى العالم.

وفي إطار رد الصين على تلك الإجراءات، قامت بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على سلع أميركية بقيمة 110 مليارات دولار. ونظراً لعدم امتلاك الصين وسائل كافية تدعم موقفها نظراً لمعاناتها من عجز تجاري، فقد أشارت إلى مواجهة الموقف من خلال تقييد صادرات المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة.

وتكمن أهمية تلك المعادن في استخدامها لتصنيع السلع الاستهلاكية عالية التقنية، وتعد الصين من أكبر الجهات الموردة لتلك المعادن.

فبعد مضي أكثر من شهر بدون اتصال بين الطرفين، يرى بعض التجار تراجع فرصة التوصل إلى هدنة. ومستقبلياً، أكدت الجهات المتفاوضة عقد اجتماع خلال قمة مجموعة العشرين المزمع إقامتها يومي 28 و 29 يونيو الجاري في محاولة لحل هذا النزاع.

باول: «أونصة وقاية خير من رطل علاج»

أبقى الاحتياطي الفدرالي الأميركي على أسعار الفائدة ثابتة دون تغيير في اجتماعه المنعقد يوم الأربعاء الماضي، على الرغم من الإشارات الدالة على إمكانية خفض أسعار الفائدة بنسبة تصل إلى 0.5 في المئة خلال الفترة المتبقية من عام 2019.

وذكر مسؤولو الاحتياطي الفدرالي في بيانهم أن النشاط الاقتصادي الأميركي ارتفع بمعدل "معتدل" وليس "بمستويات قوية"، مع توقع تسجيل نمو بنسبة 2.1 في المئة خلال العام الحالي و2 في المئة عام 2020.

وفي الوقت الحاضر، يعد احتمال تثبيت أسعار الفائدة ضئيلاً جداً حتى في ظل ادعاء الاحتياطي الفدرالي انتظاره لصورة أوضح عن المخاطر الحالية التي تواجه الاقتصاد قبل اتخاذ تلك الخطوة.

وبصفة عامة، تشير التوقعات إلى ارتفاع احتمالات تخفيض أسعار الفائدة، حيث تسجل العقود الآجلة لصندوق الاحتياطي الفدرالي فرصة بنسبة 80 في المئة لتخفيض بمقدار 25 نقطة أساس في يوليو المقبل... وبالتزامن مع ذلك اتخذت البنوك المركزية في أستراليا والفلبين وإندونيسيا توجهات مماثلة، ملمحة إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة.

ويشير تزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي وتراجع معدلات التضخم بصورة غير متوقعة إلى أن خطوة خفض أسعار الفائدة كانت تلوح في الأفق. لكن على الرغم من ذلك، من غير المؤكد بعد ما إذا كان البنك المركزي سيتخذ خطوة وقائية من خلال تبني سياسة التيسير النقدي للحفاظ على قوة التوسع الاقتصادي.

ونتجت عن تلك المعنويات التيسيرية ردة فعل إيجابية من الأسهم وأدت إلى إضعاف قوة الدولار الأميركي. علماً أن الدولار الأميركي يتوجه حالياً نحو تسجيل أعلى معدل تراجع يشهده منذ أواخر مارس فاقداً أكثر من 1.4 في المئة من قيمته مقابل الين الياباني كعملة من عملات الملاذ الآمن.

سياسة تيسيرية

وبفضل تبني معظم البنوك المركزية سياسة التيسير النقدي بصفة عامة، أنهت الأسهم تداولات الأسبوع عند مستويات قياسية بعد الإعلان عن تلك السياسات. إذ ارتفع المؤشر المرجعي الأميركي ستاندرد آند بورز لأعلى مستوياته المسجلة منذ بداية العام، وصولاً إلى 2.964.00 نقطة، فيما يعكس توجه الاحتياطي الفدرالي الحذر نحو اتباع سياسية نقدية تيسيرية قبيل اجتماع مجموعة العشرين الشهر المقبل إذ من المقرر عقد لقاء يجمع ما بين الرئيس الأميركي ونظيره الصيني لمناقشة التوصل إلى صفقة تجارية.

واستمرت أدوات الدين الحكومي الأميركية في الارتفاع، إذ أدى الطلب على الأصول الأكثر أماناً إلى دفع العائد على سندات الخزانة القياسية لأجل 10 سنوات دون مستوى 2 في المئة للمرة الأولى منذ عام 2016، وصولاً إلى 1.9740 في المئة كما عكست أسعار الذهب التسابق على اقتناء أصول الملاذ الأمن، مسجلة أعلى مستوياتها منذ خمسة أعوام عند مستوى 1.410 يوم الجمعة.

المركزي الأوروبي

تتشابه السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي إلى حد ما مع سياسة الاحتياطي الفدرالي الأميركي في دعم الاقتصاد المحلي. لكن على الرغم من ذلك، كانت الاستجابة للسياسات التحفيزية في أوروبا أكثر حذراً منها في الولايات المتحدة، إذ أشار رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي إلى زيادة الصراعات التجارية لتفسير ذلك الوضع.

ويدعي دراغي أن تلك المشكلات لا تزال وثيقة الصلة بالموضوع، إذ تسببت التوترات القائمة في تباطؤ التجارة العالمية بوتيرة حادة امتدت إلى منطقة اليورو بالنظر إلى اقتصاداتها الموجهة نحو التصدير إلى حد كبير (خاصة في ألمانيا)، حيث تراجع الإنتاج الصناعي الألماني بنسبة 1.9 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2019، فيما يعد أسوأ بكثير من التوقعات بانخفاضه بنسبة 0.4 في المئة فقط.

ونظراً لما قد يخلفه عدم اليقين التجاري من تأجيل الشركات لاستثماراتها، يكمن عامل القلق هنا في انتشار مسببات ضعف الأنشطة التصنيعية إلى أجزاء أخرى من الاقتصاد. وبالنظر إلى التضخم، تباطأ المعدل في منطقة اليورو إلى 1.2 في المئة في مايو، منخفضاً من 1.7 في المئة في أبريل.

لكن سوق العمل ما يزال قوياً، إذ بلغت معدلات البطالة أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية وصولاً إلى 7.6 في المئة مع ارتفاع ملحوظ في الأجور.

من جهة أخرى، تراجع اليورو إلى ما دون مستوى الدعم النفسي البالغ 1.12، إذ بلغ 1.1179 على خلفية تعليقات دراغي بصفة مبدئية، لكنه على الرغم من ذلك فقد تعافى منذ ذلك الحين ويتداول حالياً حول مستوى 1.1366.

بنك إنكلترا

على العكس من تلميحات كل من البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفدرالي الأميركي اللذين أشارا إلى استعدادهما لخفض أسعار الفائدة ما لم تتحسن توقعات الاقتصاد العالمي، اتخذ بنك إنكلترا نبرة أكثر تشدداً، إذ صوت البنك بالإجماع على إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير عند مستوى 0.75 في المئة وتمسك بخطابه الذي يؤيد حاجة أسعار الفائدة للارتفاع طالما تحاول بريطانيا تفادي انفصالها عن الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.

لكن على الرغم من ذلك، فمن المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي إلى الصفر في الربع الثاني وفقاً لبنك إنكلترا، إذ "يبدو أن النمو الأساسي في المملكة المتحدة قد تراجع قليلاً في النصف الأول من عام مقارنة بعام 2018 إلى معدل أقل بقليل من التوقعات".

لكن الاقتصاد البريطاني ما يزال مرناً بشكل ملحوظ في مواجهة حالة عدم اليقين المصاحبة لانفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي. ففي ظل ارتفاع معدلات التوظيف ونمو الأجور إلى حد كبير مقارنة بمعدلات التضخم، يستشعر الاقتصاديون دلائل قليلة على تراكم الضغوط التضخمية إلى الحد الذي يبرر الإسراع في رفع أسعار الفائدة في وقت مبكر.

وعلى صعيد الأسواق المالية والتي يبدو أنها تتجاهل إلى حد كبير تطورات انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، فإنها تعاني أيضاً من تبعات توترات التجارة العالمية.

وبحسب بوريس جونسون المرشّح الأوفر حظاً لتولي رئاسة الحكومة البريطانية فإن المملكة المتحدة ستنفصل عن الاتحاد الأوروبي بحلول الموعد النهائي المقرر في 31 أكتوبر سواء توصلت إلى اتفاق أم لم تتوصل، مؤكداً التزامه بتقديم اتفاق يعتقد أن الاتحاد الأوروبي سوف يوافق عليه.

لكن على الرغم من ذلك، فقد اثار الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً عدم رغبته في إعادة التفاوض، تاركاً المجال أمام الوصول إلى نتائج غير مرضية. من جهة أخرى، يواصل الجنيه الإسترليني تعرضه للضغوط بلا هوادة منذ إجراء استفتاء انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وتراجع خلال الأسبوع الماضي مقابل الدولار الأميركي إلى أدنى مستوياته المسجلة منذ بداية العام وصولاً إلى 1.2504، إلا أنه تعافى منذ ذلك الحين وبلغ 1.2742.

اليابان .. التضخم العنيد

انضم البنك المركزي الياباني لكل من الولايات المتحدة والبنك المركزي الأوروبي فيما يتعلق بإعطاء تلميحات بتطبيق المزيد من الإجراءات التيسيرية وسط تصاعد ضغوط الحرب التجارية على الاقتصاد المتباطئ.

وبذل هاروهيكو كورود، محافظ البنك المركزي الياباني جهوداً حثيثة لتبديد الشائعات التي تزعم نفاذ الأسلحة المالية لبنك اليابان، قائلاً إن البنك المركزي سيجمع بين خفض أسعار الفائدة وشراء الأصول على نطاق أوسع إذا لزم الأمر.

وقال بنك اليابان في بيانه المتعلق بإعلان قرار سياسته النقدية: "ترتفع المخاطر السلبية المتعلقة بالاقتصادات الخارجية، لذا يجب علينا أن نراقب عن كثب كيفية تأثير ذلك على معنويات الشركات والأسر اليابانية".

وفي ظل تراجع معدلات التضخم ومحاولة بنك اليابان مجابهة تلك الظروف، اضطر الأخير إلى الحفاظ على برامج التحفيز الهائل الذي يتبعه على الرغم من تأثير انخفاض معدلات الفائدة بشكل كبير على أرباح المؤسسات المالية. ونظراً لانخفاض أسعار الفائدة بالفعل دون الصفر، هذا بالإضافة إلى البرنامج الضخم لشراء السندات، يرى المحللون أن بنك اليابان لديه أدوات قليلة متبقية لمواجهة شبح الكساد الاقتصادي المرتقب.

وعلى الرغم من تطبيق السياسات التحفيزية على مدى سنوات عديدة فإن معدل التضخم الأساسي السنوي بلغ 0.9 في المئة في أبريل، فيما يعد بعيداً كل البعد عن المستوى المستهدف من قبل بنك اليابان البالغ 2 في المئة.

النفط بين التوترات والحرب التجارية

ارتفعت أسعار النفط الجمعة، على خلفية تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، بعد أن أسقطت إيران طائرة عسكرية أميركية بلا طيار، ومن العوامل الإضافية التي عززت ارتفاع الأسعار الإعلان عن إمكانية قيام الاحتياطي الفدرالي بخفض أسعار الفائدة، وهو الأمر الذي من شأنه تحفيز الاقتصاد الأميركي، أكبر الدول المستهلكة للنفط على مستوى العالم.

كما أن التوترات ظلت مرتفعة على صعيد المنطقة، والتي تعد المصدر لأكثر من 20% من الإنتاج العالمي للنفط، وبدأت سلسلة التوترات في 13 يونيو بالهجوم على ناقلتي نفط بالقرب من مضيق هرمز، والذي يعد من أهم الممرات الحيوية لإمدادات النفط في الخليج، والقت واشنطن باللوم على طهران، إلا أن إيران ما زالت مصرة عن نفي ضلوعها في هذا الهجوم.

وتسببت الحرب التجارية في دفع أسعار النفط إلى التراجع خلال الأسابيع الأخيرة، بعد أن وصل سعر مزيج خام برنت إلى أعلى مستوياته في عام 2019 عند سعر 75 دولارا للبرميل، إلا أنه يتداول حاليا عند أعلى مستوياته المسجلة في يونيو عند سعر 65 دولارا للبرميل، علما أن جهود "أوبك" وحلفائها مستمرة للنظر في تمديد اتفاقية خفض الإنتاج، بواقع 1.2 مليون برميل يوميا، عند اجتماعها المقرر عقده في 1 و2 يوليو.

تلميح الاحتياطي الفدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي وبنك اليابان باتباع سياسات نقدية تيسيرية
back to top