صباح الخير!

نشر في 20-06-2019
آخر تحديث 20-06-2019 | 00:04
 مسفر الدوسري إذا فتحت عينيك صباحاً ولم تجد على شفتيك ابتسامة تقاوم الخَدَر فراجع حلمك في الليلة الفائتة، إذا أزحت ستارة الظلام عن نافذة قلبك ولم تجد أن الشمس قد تركت قبلة من نور على وجنته فتَحَسّس قلبك بيدك جيدا، إذا فتشت بين حناياك ولم تعثر على وردة تفرك جفنيها المبللان بقطرات الندى فتفحّص جفافك، إذا لم يشته جسدك الانغماس بالماء من الرأس حتى أخمص القدمين ولم تدفعك رغبة عارمة في الغرق واقفاً تحت سحابة اصطناعية تفتح أزرّة قميصها بنفسك فألق نظرة على يباسك، إذا لم توقظ روحك رائحة القهوة فضع راحة يدك على جبين روحك لتتأكد من أنها لا تشكو من علّة أو مرض، وإذا لم تترك فرصة لمسام جسمك تتنفس صوت فيروز فتفقّد خلاياك خليّة خليّة لتتيقن أنها خالية من العطب ولا تعاني من ضيق التنفس.

الصباحات فاتحة صلاة أيامنا فإن لم ترتلها أيامنا بما تستحق من الصفاء نُقضت طهارتها، وإن لم تحتف بها كما يليق بها من الفرح فستحمل وزر خطيئتها إلى أن يشرق صباح آخر جديد، وما نبذره من شكر وامتنان للصباح سنجني حلو ثمار تفاؤله في وقت ما فيما تبقى من اليوم، بشرط أن نخلع مع كل صباح آت رداء الأمس، ونتخلّص من كل ما علق فيه من دَرَن، ونلبس ثياب يوم جديد، فإن لم نفعل فلن نستطيع أن نحافظ على نصاعة ثياب قلوبنا، ولن نتمكن من إعادة البياض للونها، وسنبقى دون أن نعي نكدّس بقع السواد التي تتراكم يوما بعد آخر إلى أن يأتي اليوم الذي تصعب علينا إزالتها من أسمال العمر. إن للعمر ثوبا واحدا ولكن للأيام ثياب تتجدد مع كل صباح جديد، وهي التي تعطي في نهاية الأمر للعمر لونه، فإما أن يكون زاهياً أو أن يكون قاتماً ملوثاً بآثار الشوك، فمع كل تحية شمس وتلويحتها لنا بالسلام في بداية أي يوم إعلان لولادة حياة جديدة وفرصة أخرى للكتابة في صفحة بيضاء، فعلينا أن نختار لون الحبر الذي تسطر به أقلامنا حروفنا متجاهلين ما قد كتبناه في اليوم الذي مضى، فطوبى للذين هم على قدرة دائمة في مصافحة الصباحات بقلوب معشبة وآمال ندية، والذين يدركون فعلاً ما تعنيه جملة "صباح الخير" تخرج من أعماقهم صادقة يوزعونها بمحبة لكل من وما يلتقون من بشر أو حجر، ولا يتعاطون معها كمجرد كلمات مهترئة نخرها السوس، اعتادوا على لفظها من أفواههم كبصاق وعلى وجوههم تجهّم يصدّ شعاع الشمس بإصرار بغيض وأسباب غامضة، طوبى لأولئك الذين يصحون كل يوم بأذرع مفتوحة لاحتضان صباحاتهم برضا تام لما سيأتي به ما تبقى من يومهم، بالرغم من جهلهم به، أولئك الذين اعتادوا على منادمة بواكير النور بفنجان قهوة وكأسٍ من ماء زهر موسيقى وترحاب للحياة!
back to top