أزمة 1921 وولادة السياسة الخارجية الكويتية (7)

نشر في 29-05-2019
آخر تحديث 29-05-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار لم تبدأ أزمة 1921 في ذلك التاريخ، ولكنها كانت نقطة تكثيف، ولم ينتج عنها فقط تأسيس مجلس شورى، ولكنها جاءت ضمن تراكمات وتداعيات لأسلوب الشيخ مبارك الصباح، والذي نتج عنه "معارضة انسحابية" لهجرة الطواويش (1910)، والتراجع التدريجي لمشروع مبارك العسكري. بعدها حكم ابناه جابر وسالم لمدة 6 سنوات مجتمعين، وهي مدة قصيرة، حسب معدل حكم أمراء الكويت، حيث تولى الحكم بعدهما الشيخ أحمد الجابر لمدة 29 عاماً، وكانت مفارقة أن يمتد حكم ابنه الشيخ جابر الأحمد مدة مقاربة.

كان لقصر مدة حكم الشيخين، وبعض طموحات الشيخ سالم، وتداعيات انتهاء الحرب العالمية الأولى، وظهور العراق الملكي، وبروز نجم سلطان نجد والحجاز عبدالعزيز بن سعود (تأسست المملكة العربية السعودية 1932)، وضم إيران لعربستان بشكل نهائي، مع كل ما كان للشيخ خزعل من علاقة وثيقة بالكويت، تأثيرات كبيرة على الكويت وإدراكها لوضعها. فما إن تولى الحكم الشيخ أحمد الجابر في إطار أزمة مجلس الشورى 1921، حتى بدأت الضغوط الجغرافية فعلها، من خلال دولتين جديدتين مجاورتين هما العراق الملكي و"السعودية". واستجابت بريطانيا بعقد مؤتمر العقير سنة 1922، لترسيم الحدود بين الدول الثلاث، والذي أداره بيرسي كوكس، ولم تشارك فيه الكويت. ذلك المؤتمر الذي تم فيه اقتطاع ثلثي مساحة الكويت بموجب الاتفاقية الانجلو تركية سنة 1913. ومع أن تلك الاتفاقية لم يتم التوقيع عليها بصورة نهائية إلا أنها جاءت وفقاً لواقع الحال الجغرافي، وبناءً على مفاوضات معقدة تحددت فيها تلك الحدود.

عندما زار بيرسي كوكس الشيخ أحمد الجابر في طريق عودته من مؤتمر العقير، مطالباً إياه بالموافقة على نتائجه، دون حتى إشراكه في المفاوضات، وبموافقة بل ودعم بريطانيا التي ارتبطت بها الكويت باتفاقية حماية منذ 1899، أدرك الشيخ أحمد الجابر ضعف الإمكانية. كان ذلك الإدراك معبراً في الحوار الذي دار بينهما. كان واضحاً أن كل تلك المتغيرات ستكون على حساب الطرف الأضعف في المعادلة، ألا وهو الكويت.

ربما هذه الأحداث والمتغيرات، التي كانت سنة 1921، بوفاة الشيخ سالم، ثم مؤتمر العقير، ثم الحصار الاقتصادي الصعب الذي فرضته نجد بسبب أزمة المسابلة والجمارك، والذي عانت منه الكويت الأمرين، وغير ذلك من الأمور، كانت عناصر لسياسة خارجية مختلفة عن حقبة الشيخ مبارك. والتي بدأت معالمها في حقبة الشيخ أحمد الجابر، مروراً بالشيخ عبدالله السالم، الذي عزز ذلك التوجه خاصة مع زيادة دخل النفط بدءاً من دعمه لإمارات الخليج واليمن منذ بداية الخمسينيات وطريقة تعامله مع أزمة عبدالكريم قاسم 1961، وصولاً إلى الشيخ صباح الأحمد، الذي ربما كان أكثر الحكام الذين تدربوا في محافل السياسة الخارجية، فكان هو من ألقى خطاب انضمام الكويت للأمم المتحدة سنة 1963، وظل لفترة طويلة أقدم وزير خارجية في العالم.

الشاهد أن ملامح السياسة الخارجية الكويتية متشابهة منذ قرابة القرن من الزمان، وللدقة منذ 98 عاماً، قائمة على التوازن وتعزيز السلام والحياد الإيجابي ودعم المجتمع الدولي والتكتلات الإقليمية وبالذات مجلس التعاون، والابتعاد عن الأحلاف الكبرى بالذات العسكرية والانفتاح الداخلي النسبي، فهي ليست ردود أفعال، ولكنها تصبح أكثر وضوحاً، ويزداد زخمها وفعاليتها حسب خبرة الحاكم وقوة وتماسك المجتمع، وقدرته على الحركة، وبالذات في وقت الأزمات الطاحنة وما أكثرها في محيطنا.

back to top