هل يحبط ترامب الجسر البري الإيراني في الشرق الأوسط؟

نشر في 24-05-2019
آخر تحديث 24-05-2019 | 00:03
معبر البوكمال الحدودي بين العراق وسورية
معبر البوكمال الحدودي بين العراق وسورية
سيشكل معبر البوكمال مع العراق نوعاً من الأصول المهمة للنظام الإيراني الذي يسعى الى توسيع التجارة وتقليل تأثيرات العقوبات الأميركية على اقتصاده، وسيسمح فتح المعبر لإيران باختصار نفقات النقل الجوي من طهران إلى دمشق.
مع المواجهة بين واشنطن وطهران التي تصاعدت في أماكن أخرى في الخليج أعطت إيران أولوية قصوى لجهود ترمي إلى تأمين وإعادة فتح الحدود عند البوكمال، والتي تعبر مدينة قُم، وهي الحدود الوحيدة بين سورية والعراق التي تعبر من خلال السيطرة الإيرانية لتعزيز النفوذ الإيراني في الشرق، وتخفيف تأثيرات العقوبات الأميركية، وعلى أي حال يتعين علينا الانتظار لرؤية ما إذا كانت إيران ستسحب هذه الخطوة، وكيف يمكن لإدارة ترامب أن تتصرف كردة فعل.

في 23 أبريل الماضي عبرت حافلتان تحملان الحجاج العراقيين بعد زيارة للسيدة زينب على مقربة من دمشق حدود البوكمال لأول مرة منذ سنة 2012، مما يشير الى أن ذلك قد يمهد السبيل لعمليات تجارية، وتقع مدينة البوكمال على نهر الفرات في دير الزور في شرق سورية والعبور الى مدينة قُم في إقليم الأنبار العراقي قد يفتح خلال 6 أشهر بحسب مسؤولي حدود عراقيين.

موقع البوكمال الاستراتيجي جعل المدينة وجهة عسكرية للقوة الأجنبية، وفي القرن السابع عشر كانت مركزاً للسنجق العثماني، وفي عام 1921 كانت المركز الذي تشغله القوات الفرنسية في مدينة دير الزور، وبعد الغزو الأميركي للعراق في سنة 2003 أصبحت المدينة نقطة عبور للثوار العراقيين الذين قادوا حملة شهر أكتوبر 2008 الى البوكمال عن طريق الحدود العراقية.

واليوم قد يتحول ذلك الى معبر رئيسي لجسر بري إيراني يربط طهران وبغداد ودمشق وبيروت مما يضمن قدرة الوصول الى البحر الأبيض المتوسط، وفي الأجل القصير سيشكل هذا المعبر البري نوعاً من الأصول المهمة للنظام الإيراني الذي يسعى الى توسيع التجارة وتقليل تأثيرات العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني، وسيسمح فتح معبر البوكمال لإيران باختصار نفقات النقل الجوي من طهران الى دمشق، وبالتالي استخدام مطار بيروت الدولي والابتعاد عن الحدود غير الرسمية التي تديرها إيران في شرق سورية.

جهود النظام السوري منذ العام الماضي لإعادة فتح هذا المعبر البري عن طريق مشاركة بغداد أخفقت حتى الآن، وشملت تلك الجهود رسالة من وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى نظيره العراقي في شهر يونيو 2018 طالب فيها بإعادة فتح معبر البوكمال، وتكررت خلال زيارة في العاشر من شهر أبريل الماضي قام بها رئيس الوزراء السوري عماد خميس الى العراق.

وعلى اي حال كانت مدينة البوكمال مهمة ضمن الخطة الإيرانية في سورية، وتوجد ثلاث مراحل في تطور السيطرة الإيرانية على مدينة البوكمال:

بدأت المرحلة الأولى في شهر نوفمبر 2017 عندما أشرف قائد الحرس الثوري الإسلامي قاسم سليماني على معركة استعادة مدينة البوكمال من تنظيم "داعش"، وقد أظهرته وسائل الإعلام وهو يزور المنطقة. وبعد وقت قصير من نهاية تلك المعركة تقدمت موسكو ودمشق لتعزيز قوتهما على جبهات أخرى في البلاد، لكنها أفضت الى وجود ميليشيات مرتبطة بالنظام السوري.

لقد سيطرت عناصر الميليشيات على مدينة البوكمال، واشتبكت مع ميليشيات محلية تسعى الى السيطرة على المعبر، وخصوصا تدفق البضائع في شهر أغسطس من عام 2018، وقد أفضى ذلك إلى اشتباكات بين ميليشيات النظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران، ثم بدأت لجنة مصالحة عملها في شهر سبتمبر لنزع فتيل التوتر.

وشملت الميليشيات المدعومة إيرانياً حزب الله في لبنان وحركة النجباء وكتائب حزب الله العراقية ولواء الفاطميين في أفغانستان، في حين كانت ميليشيات النظام السوري القوة الأمنية العسكرية.

المرحلة الثانية التي بدأت في شهر أكتوبر، وتميزت بتوسيع قوة طهران بشكل تدريجي وتوسيع نفوذها فيما تدبرت التوترات مع موسكو. وكان النظام الإيراني قد بدأ بتطبيق خطوات جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وفي غضون ذلك نشرت موسكو أيضاً قوات محلية انتشرت عن طريق خدمات ودفعات نقدية، كما أن روسيا نشرت قوات على مقربة من معبر البوكمال في شهر أكتوبر بعد ثلاثة أشهر من قمة هيلسنكي Helsinki بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وكان لقوات النظام السوري وروسيا دورها الرمزي على شكل قوة فك الاشتباك بين قوات سوريا الديمقراطية والميليشيات المدعومة إيرانياً على ضفتي نهر الفرات.

وعندما أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران في شهر نوفمبر بدأت طهران بتسريع وتيرة إعادة فتح معبر البوكمال الذي أصبح خط حياة للاقتصاد المريض، ومنذ شهر يناير زاد النظام الإيراني من معدل التجارة مع العراق وسورية، وهي خطوة تبدو مثل جزء من خطط أوسع لربط الاقتصاد والأمن في هذين البلدين من خلال طرقات وخطوط حديدية وشبكات طاقة.

وفي 17 مارس قال رئيس أركان الجيش العراقي عثمان الغانمي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيريه الإيراني والسوري في دمشق إن معبر البوكمال سيفتح خلال الأيام القليلة المقبلة، وفي اليوم التالي سافر رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري من دمشق لزيارة القوات الإيرانية والحليفة في مدينة البوكمال.

وفي وقت سابق من هذا الشهر سحبت موسكو قواتها بما في ذلك الفرقة الخامسة المدرعة وتركت حضوراً رمزياً لمدينة البوكمال، وفي حين رفضت المصادر العسكرية الروسية تأكيد هذه التقارير أو نفيها فقد أكدت مصادر محلية في البوكمال أن هذا الانسحاب المفاجئ يعني أن موسكو تخشى على سلامة قواتها في البيئة الراهنة بين واشنطن وطهران، في حين سعت أيضاً إلى تفادي أي اشتباكات بين الميليشيات المدعومة من قبل إيران، وتجدر الإشارة الى أن موسكو تركت إيران للعمل في إطار معركة إعادة فتح معبر البوكمال الحدودي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف ستكون ردة فعل الولايات المتحدة الأميركية إذا شنت قوات سورية الديمقراطية حملة هجومية في أعقاب التهديد التركي الذي تدعمه الميليشيات الإيرانية، وعلى أي حال تستطيع الطائرات الإسرائيلية توجيه ضربات إذا أقرت إدارة الرئيس ترامب المعلومات الاستخبارية حول شحنات أسلحة عبر الحدود العراقية السورية.

وتوجد مؤشرات أيضاً إلى أن إدارة ترامب تضغط على الحكومة العراقية لعدم فتح المعبر الحدودي الذي سيفضي إلى تسهيل التجارة مع النظامين الإيراني والسوري المدرجين على لائحة العقوبات الأميركية.

ومع استعراض واشنطن وطهران عضلاتهما في الشرق الأوسط سيكون اختبار البوكمال مهماً في إطار التنافس، والرهان على محادثات أميركية روسية لحل هذه القضية قد لا يكون كافياً لأن موسكو قد تعرض في نهاية المطاف ردع النفوذ الإيراني في جنوب سورية، وذلك في مقابل تنازلات أميركية.

وفي حين قد لا تتمكن إدارة ترامب من منع فتح المعبر الحدودي فإنها تستطيع استخدام نفوذها على الحكومة العراقية لتجميد معبر مدينة قُم، كما سبق أن فعلت مع معبر نصيب الأردني مع سورية، وعلى أي حال فإن العاصمة الأردنية لا تملك النفوذ البارز الذي تملكه إيران في بغداد. وستكافح الحكومة العراقية لتحقيق توازن مع إيران والولايات المتحدة للتوصل الى تسوية حول كيفية التعامل مع معبر بري استراتيجي، وستضطر إدارة ترامب إلى تقرير ما إذا كانت تقبل بوجود جسر بري إيراني الى البحر الأبيض المتوسط، أو أن تقرر ما هو الثمن المستعدة لدفعه لإحباط ذلك الهدف.

جو ماكارون *

مع استعراض واشنطن وطهران عضلاتهما في الشرق الأوسط سيكون اختبار البوكمال مهماً في إطار التنافس

هناك مؤشرات إلى أن إدارة ترامب تضغط على الحكومة العراقية لعدم فتح معبر البوكمال الحدودي
back to top