سدانيات: عبد الناصر!

نشر في 17-05-2019
آخر تحديث 17-05-2019 | 00:06
 محمد السداني بعد أحد الاختبارات في أيام الدارسة في جامعة الكويت كنت أنا وأحد زملائي نتحاور عن القضايا العربية، وسبب تراجع الدول العربية في شتى المجالات، وكنت أرى في ذلك الوقت وهذا الوقت أيضا أنَّ السبب الرئيس في هذا التراجع هو غياب مشروع حقيقي للدول بشكل فردي وللمنطقة بشكل جماعي، وكنت أعزو ذلك إلى بعض المشاريع الخادعة والسخيفة التي خرجت من رحم الأمة لتئد الأمة في مرحلة ولادتها، ومنها القومية العربية التي صدع رؤوسنا بها عبدالناصر وغيره من المعجبين بالآلة الصوتية التي كان يملكها آنذاك، ولم يرُق هذا الكلام لصديقي الذي كان يُمجِّد عبدالناصر حتى التأليه! فكان يرى أنَّ جمال عبدالناصر الذي خرج من جماعة الضباط الأحرار هو الناصر صلاح الدين الذي سيستعيد بيت المقدس من رجس الصليبيين المحتلين، لكن الحقيقة أنَّ جمال كان صاحب أثرة في الملك، وكان يبحث عن أي طريق ليبقى أكثر وأكثر في سدة السلطة التي قمع من قمع من أجلها حتى أقرب المقربين منه.

ويبدو أنَّ عبدالناصر لم يكن يتوقع أن يلاقي هذا التأييد الشعبي الكبير لولا أنَّ الأرضية مهيأة لمثل هذه الممارسات التي كان يمارسها ضد كل أعدائه بل تعدى الأمر إلى أنَّ معارضة عبدالناصر هي معارضة للعروبة وللأمة. ذهبت أيام جمال وذهبت معه عروبته المكذوبة التي سقطت في أول اختبار لها سنة 67 والتي لم تتعافَ منها العروبة حتى يومنا هذا، وإن كان البعض يعتبر السادس من أكتوبر نصرا ضد اليهود، ولكن الذي تبقى من جمال وناصريته هو أنموذجه الذي لم يمت، فعبدالناصر لم يكن ليكون في هذا المكان لولا وجود من يماثلونه في فكره الذي يتبناه سلبا كان أم إيجابا، وهذا ينطبق على كل ناصر في هذا العصر، فأجد نفسي قاسيا جدا على الحكم على جمال بأن أحمله ما نحن فيه من شتات وضياع، لكن الأصح أن الجميع ممن كانوا حوله هم من يحملون مسؤولية بقاء ناصر في سدة الحكم وتسلطه ومواصلته القمع سنوات طويلة. إنَّ في كل نظام من أنظمتنا نجد ناصرا ونجد عبيدا لناصر يزينون له ما كان قبيحا ويشرعنون له ما كان حراما ويحاولون بكل السبل أن يخرجوا أفعاله وسلوكياته خارج سياقها المفترض الذي يجب أن نحكم عليه من خلاله. بعد سنوات الدراسة والجامعة أنا وصديقي التقينا وكان الربيع العربي قد ألقى أوزاره وبدأت الأنظمة العربية تتعافى من رغبات الصحوة والحرية، تقابلنا أنا وعثمان صديقي وسألته عن رأيه في جمال عبدالناصر مرة أخرى، ولكن بعد شلال من دماء سال باسم العروبة والإسلام والحرية، فقال: لو كان جمال موجودا لما رأيت هذا كله، والحقيقة أنَّ جمال فعليا لم يمت فشعاراته وكلماته ومنطلقاته وأيديولوجياته كانت حاضرة في خطابات القذافي وحسني وبن علي والبشير وصالح وغيرهم ممن جثوا على صدر السلطة سنوات طويلة بمساعدة أفكار ناصر وعبيده الذين لم يموتوا مع موته.

خارج النص:

- لا تستطيع أي سلطة أو نظام أو حتى فرد أي يفرض آراءه على مجتمع بأسره إلا إذا اخترقت هذه السلطة أو هذا الفرد المجتمع بتجيير فئات وأناس من داخله لتحقيق ما تصبو إليه من رغبات ومقاصد ستسهل قبول ما كان غير مقبول في السابق لقربهم من السلطة ودائرة اتخاذ القرار.

- لا يهم أن تكون ناصراً أو تكون عبداً لناصر المهم أن تعي جيداً أنَّ الطريق للتغير لن يكون ناصرياً مهما حاولت، ومهما اجتهدت ومهما أقنعت نفسك بأعذار واهية لم تولد إلا على فراش السلطة الوثير.

back to top