شويكار... نجمة الكوميديا الجميلة (9- 15)

«يا ما كان في نفسي» مغامرة فنية لم تكتمل

نشر في 15-05-2019
آخر تحديث 15-05-2019 | 00:00
تتابعت رحلة شويكار في قطار الفن، وتجاوز رصيدها حتى منتصف التسعينيات أكثر من 60 فيلماً، و14 مسرحية، و20 مسلسلاً إذاعياً، و10 مسلسلات تلفزيونية. في الحلقة السابقة، أوصدت النجمة الجميلة أبواب قلبها بعد انفصالها عن فؤاد المهندس، ورفضت الزواج مُجدداً، وكرَّست حياتها لفنها وهواياتها الخاصة، وصارت الأمومة محوراً رئيساً في علاقتها بابنتها منة الله وأحفادها، وبمرور الوقت تضاءلت فرص العودة للوقوف على خشبة المسرح، واسترداد رائحة الكواليس، وأصداء النجاح الذي حققته على مدى ثلاثة عقود.
كاد عام 1998 أن يشهد بداية مسرحية جديدة لشويكار، عندما استعادت ذكريات أولى بطولاتها في مسرح التلفزيون عام 1963، وقدمت على خشبته كثيراً من الأعمال الكوميدية الناجحة، واستمرت هذه التجربة حتى منتصف السبعينيات. وقبل مطلع الألفية الجديدة، خرجت فكرة إحياء هذا المسرح مجدداً، واستعادة نجومه الرواد للمشاركة في خريطة العروض، وفتح نافذة للفنانين الشباب للتعبير عن مواهبهم، وجذب الجمهور مجدداً إلى دور المسرح.

اعتبرت شويكار أن مسرح التلفزيون، صنع نجوميتها وكثيراً من الفنانين، من بينهم فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي وعادل إمام وسميحة أيوب ومحمد عوض، وحقق نجاجاً كبيراً خلال الستينيات، وتحمست النجمة الجميلة للعودة إليه مجدداً، وكأنها ممثلة في مقتبل حياتها الفنية، وطلبت إلى القيمين عليه أن تقدم مسرحية «يا ما كان في نفسي» التي سبق أن قدمها نجيب الريحاني في أربعينيات القرن الماضي.

وقرَّرت شويكار أن تخرج «يا ما كان في نفسي» كحدث فني غير متوقع، وأثارت الفكرة ردود فعل متباينة، لا سيما أنها لم تدرس الإخراج أكاديمياً، لكن خبراتها المتراكمة مع كبار المخرجين كحسن عبدالسلام وسمير العصفوري وفؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي، أصقلتها في كيفية تحريك الممثل والاندماج والتصاعد الانفعالي، واختيار الأكسسوارات والملابس والديكور، وخلال سنوات التألق، لم تكن مجرد ممثلة تؤدي دورها، بل كانت تناقش المخرج في جوهر النص وتجسيد الشخصية، وشهدت الكواليس جرأتها في عدم الاستهانة بالأدوار الثانوية، ورفضت أن يتحول زملاؤها إلى كومبارس للبطل أو البطلة.

أوشكت المغامرة الفنية أن تخرج إلى النور، وتسجل أول تجربة إخراجية لنجمة كوميدية، ورأت شويكار أنه ليس مقبولاً أن تقدم دور فتاة صغيرة، لمجرد أن تكون بطلة للعرض، ولن يقتنع الجمهور بمصداقية أدائها للشخصية، وتناغمت فكرة الإخراج مع نضجها الفني، وإدراكها أن لديها تجربة مسرحية بالغة الثراء، ومن حق جيل الشباب أن تقف إلى جانبه، مثلما دعمها فنانون كبار في مقتبل مشوارها الفني، كعبدالمنعم مدبولي وفؤاد المهندس وعبدالوارث عسر، وفطين عبدالوهاب وكمال الشيخ، وقد منحها الأخير فرصة الظهور على الشاشة في «حبي الوحيد» 1960.

وتلاشت «يا ما كان في نفسي» كوميض خاطف، برق في حياة النجمة الجميلة، ومنحها طاقة من الأمل والتفاؤل، لكن تعثر ظهور المسرحية، ترك أثره الدامي في نفس «الليدي» ولم تفصح عن أسباب انسحابها من العمل، وتبدَّد الأمل في إثبات موهبتها كمخرجة، وجلست البطلة في صالة العرض بلا جمهور، وتتابعت أصداء سنوات التألق، ودوي التصفيق، لتغادر المكان مودعة جنبات المسرح للمرة الأخيرة.

صديقة العمر

احتفظت شويكار بصداقات قليلة في الوسط الفني، واعتبرت البلاتوه السينمائي وكواليس المسرح، مكاناً للعمل وإشباع موهبتها كممثلة، ومنذ دخولها هذا المجال، أثارت انتباه زملائها بإطلالتها الجميلة، وحاول البعض التقرب إليها، لكنها فرضت على نفسها سياجاً لا يستطيع أحد أن يتجاوزه، وبمرور الوقت حققت مكانتها في فضاء خصب للإشاعات، ومن هنا سعت إليها الشهرة والأضواء، وحظيت بتقدير واحترام المحيطين بها، ودخلت في موسوعة النجمات اللواتي سجلن أطول فترة زواج من النجوم، وصنعت مع فؤاد المهندس ثنائياً فريداً في الفن والحياة.

واقترنت فكرة الصداقة لدى شويكار بمعاني الحب والتقدير والوفاء، وخلال مشوارها الفني جمعتها صداقة قوية بالنجمة ميرفت أمين، رغم أن شويكار سبقتها في احتراف التمثيل بنحو سبعة أعوام، وجمعتهما مناسبات عائلية كثيرة، ومواقف صعبة. ولدى النجمتان ألبوم من صور الذكريات، وفي حين أن شويكار من مواليد برج العقرب (4 نوفمبر) الذي يتسم بالصدق والتلقائية والمرح، تنتمي أمين لبرج القوس (مواليد 24 نوفمبر) الذي يمتاز بالطموح وعدم اليأس ومرونة الشخصية.

وفي حوار معها، قالت شويكار إن مولود العقرب يتميز بالصراحة وعدم النفاق، ولا يحب أن يجرح شعور الآخرين، ويكره الكذب والضعف، ولا يهاب أي أمر، ولديه قدرة على اتخاذ القرار. وبالنسبة إليها، هي تحب الجو الأسري، وتعشق ابنتها وأحفادها، فهم النور الذي يضيء حياتها، والنفس الذي يخرج من فمها، وتنتظر أن يعود إليها كي تتنفس. كذلك أوضحت أنها بطبيعتها عاطفية للغاية، وأقرب صديقاتها إلى نفسها زميلتها ميرفت أمين، وأنهما تعشقان الموسيقى والقراءة، وتجيدان التحدث بالإنكليزية والفرنسية، وأصولهما غير مصرية، فشويكار من أصل تركي، بينما أمين من أم اسكتلندية وأب مصري.

شاركت شويكار مع ميرفت أمين في أعمال قليلة، من بينها فيلم «الكداب» 1975 للمخرج صلاح أبوسيف، بطولة محمود ياسين، وفي العام نفسه ظهرت في «النداهة» قصة يوسف إدريس وإخراج حسين كمال، وبطولة ماجدة وشكري سرحان، وفي 1976 اختارت فيلم «دائرة الانتقام» للمخرج سمير سيف.

وبعد نجاح «أخطر رجل في العالم» 1967 للمخرج نيازي مصطفى، وقفت ميرفت أمين بدلاً من شويكار إلى جانب فؤاد المهندس في «عودة أخطر رجل في العالم» 1972، للمخرج محمود فريد، وحقق نجاحاً مماثلاً للفيلم الأول، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تغيب فيها «الليدي» عن «الأستاذ» منذ بداية أفلامها الكوميدية، عندما استثمر المخرج فطين عبدالوهاب نجاح مسرحية «أنا وهو وهي» وقدمها في نسخة سينمائية عام 1964.

وفي عام 1987، تعرضت صداقتهما إلى اختبار صعب، عندما تدخلت شويكار لفض الخلاف بين ميرفت أمين وزوجها، آنذاك، حسين فهمي، ورفضت الممثلة وساطة صديقتها، وأصرت على الطلاق وكانت شويكار تخشى على صديقتها من هذا القرار، وتكرار تجربتها القاسية عندما انفصلت عن فؤاد المهندس عام 1983.

اعتبرت شويكار أن نقطة الضعف في حياتها، هي ابنتها منة الله وأحفادها، وهي دائماً تحب الخير للآخرين، وينتابها شعور بالألم عندما ترى شخصاً يعاني المرض، وتحاول التخفيف عنه بشتى الوسائل، وخلال مشوارها الفني لم تشعر يوماً بالغيرة من زميلاتها، بل كانت تحرص على مشاهدة أفلامهن، كفاتن حمامة وسعاد حسني وهند رستم. ومن الأجيال اللاحقة صفية العمري وهالة فاخر وعبلة كامل. وتمنت أن تمثل مع النجوم الكبار كحسين رياض ونجيب الريحاني وبشارة واكيم واستيفان روستي، ولا تنسى لقاءها مع الفنان الكبير عبدالوارث عسر في مسرحية «السكرتير الفني» 1968، وكيف علمها فن الأداء المسرحي. وفي العام نفسه التقت الفنانة الكبيرة زهرة العلا في «حواء الساعة 12» والفنانة الكبيرة أمينة رزق في «إنها حقاً عائلة محترمة» 1979.

ألقاب وإفيهات

اشتهرت شويكار ببعض «الإفيهات» خفيفة الظل التي حفظها جمهورها على مدار مشوارها الفني، لا سيما في الدراما الإذاعية، مثل «انت اللي قتلت بابايا» و{شنبو في المصيدة» وتعرضت لانتقادات عدة من النقاد، بينما دافعت عن نطقها للكلمات بطريقة كوميدية، ولكنها لم تكرر ذلك في أعمال لاحقة، وبحثت عن مفردات جديدة، وفق الشخصية التي تؤديها، والسياق الدرامي للعمل، لا سيما أنها خلال سنوات تألقها بالمسرح، ترسخ لديها الالتزام الحرفي بما كتبه المؤلف، واستقر عليه المخرج أثناء التمرينات، وكانت ترفض تماماً الخروج على النص.

هذا الالتزام كان سمة رئيسة في مسرح شويكار والمهندس، ولهذا كانت «الليدي» تشعر باستياء عندما يطلب أحد الأشخاص إلى المهندس أو عبدالمنعم مدبولي أن يقولا آخر «نكتة» واعتبرت أن هذا تقليل من شأن الفنان، والتعامل معه كمهرج، وهذا أمر مرفوض، لا يقوم به سوى بعض المستخفين بقيمة الفن الكوميدي، ومكانة فنانيه عبر التاريخ كشارلي شابلن، ومن العرب نجيب الريحاني وعادل إمام ودريد لحام وعبدالحسين عبدالرضا وسعيد صالح وغيرهم.

القرش والكماشة

سجلت بداية الثمانينات تراجعاً لافتاً في ظهور شويكار على شاشة السينما. وبين 1978 و1994، شاركت في أفلام عدة، من بينها «القرش» 1981، قصة أحمد عبدالسلام وسيناريو صبري عزت وحواره وإخراج إبراهيم عفيفي، وأدّت دور صاحبة مقهى تدعى «فكيهة» مع نادية الجندي وعادل أدهم.

الطريف أن هذا الشريط السينمائي، أعاد إلى الأذهان دورها في فيلم «الكرنك» 1975 قصة نجيب محفوظ وإخراج علي بدرخان، وتجسيدها شخصية «قرنفلة» صاحبة المقهي حيث يجلس مثقفون وطلاب، ولكنها في «القرش» تفتح مقهاها لتعاطي المخدرات. واستطاعت شويكار أن تبرز الفرق الجوهري بين الشخصيتين، رغم تشابهما في الشكل، وأضافت لهما بعداً إنسانياً، وتركت الحكم لجمهورها على براعة أدائها.

وفي «الكماشة» 1978، قدَّمت شويكار شخصية «ست الحسن» التي تنخرط في تجارة المخدرات مع شقيقها، ويحاول محمود (محمود ياسين) كشف أمر العصابة، ويعد هذا الشريط من أفلام الإثارة والتشويق. شارك في بطولته كل من بوسي وعبدالمنعم إبراهيم وسامي العدل ونظيم شعراوي، فيما أخرجه عبداللطيف زكي.

وفي «زمن الممنوع» 1988، تابعت شويكار سلسلة أدوار «المخدرات» وجسدت شخصية «نعناعة» التي تدير وكراً للمدمنين. ويتناول الفيلم قصة فتاة تائهة في الصحراء (ليلى علوي)، وبطريقة «الفلاش باك» نتعرف إلى ماضيها، وأسباب فقدها الذاكرة. وشارك في البطولة كل من المطرب إيمان البحر درويش وإيهاب نافع ومريم فخر الدين وحسن مصطفى، وأخرجته إيناس الدغيدي.

وبعد هذه الأفلام الثلاثة، خشيت شويكار أن يحصرها المخرجون في أدوار نمطية، ففضلت الابتعاد عن السينما لفترة، وحلت ضيفة على الدراما التلفزيونية.

«أرض النفاق» يضع الفنانة هنا شيحة في مقارنة مع «الليدي»

عندما سُئلت شويكار عن إمكان إعادة تقديم مسرحياتها الأولى، أجابت بالنفي، لأن قاموس الكوميديا يتغير مع كل عصر، وأن هذه الأعمال حققت نجاحها في سياقها الزمني. وتخيلت أنها لو وقفت مُجدداً على خشبة المسرح، فلن يتجاوب الجمهور الحالي معها، لا سيما أن المفارقات الكوميدية ابنة زمانها، وثمة مفردات اندثرت بمرور الوقت، وحلت مكانها كلمات جديدة، فلم يعد أحد يستخدم كلمة «أوتوموبيل» أو يقول لأحد «أهلاً يا إكسلانس». ومثلما نشأ مسرح الريحاني وعلي الكسار، جاء فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي، ولاحقاً عادل إمام وسمير غانم وسعيد صالح ويونس شلبي، ثم محمد هنيدي وأحمد حلمي وغيرهم.

مشاعر متباينة تسيطر على النجمة الجميلة كلما شاهدت أعمالها المسرحية والسينمائية، ويتناغم الشجن ويزداد الحنين إلى سنوات التألق، وكأنها تشاهد فنانة أخرى لا تمت إليها بصلة، وتضحك لما كانت تفعله في مسرحيات «سيدتي الجميلة» و{حالة حب» و{حواء الساعة 12» و{أنا فين وأنت فين»، وأفلام «غراميات عازب» و{العتبة جزاز» و{شنبو في المصيدة».

في العام الماضي، تحول فيلمها «أرض النفاق» 1968 إخراج فطين عبدالوهاب، الذي شاركت في بطولته مع فؤاد المهندس وسميحة أيوب، إلى مسلسل درامي للسيناريست أحمد عبدالله، إذ قدم معالجة درامية لقصة يوسف السباعي، أخرجها سامح عبدالعزيز، وتولى بطولتها كل من هنا شيحة ومحمد هنيدي.

دخل المسلسل في سلسلة أزمات، وتوقف عرضه في القنوات الفضائية. قالت هنا شيحة إنها لم تشاهد النسخة السينمائية كي لا تتأثر بأداء الفنانة شويكار، وإن المعالجة الدرامية للمسلسل تختلف عن الفيلم، فالأخير تتكثف مشاهده في أقل من ساعتين، بينما الحلقة الواحدة من المسلسل تقترب من الساعة، فيما يبقى التشابه أن الأحداث في العملين تدور في إطار كوميدي.

ولم تمانع شويكار بدورها أن يُعاد تقديم الفيلم، أو أي عمل فني لها، لا سيما أن هنيدي يملك موهبة كوميدية متميزة، وهو كوميديان بالفطرة، كذلك هنا شيحة ممثلة موهوبة، وتجيد أداء الأدوار الكوميدية والتراجيدية، وإطلالتها جميلة، ولكن شويكار لم تتابع المسلسل لظروف خاصة، كذلك فإنه لا يُعرض في القنوات الدرامية، لذا لا تستطيع الحكم عليه.

واحتفظت المعالجة الدرامية للمسلسل بالإطار العام الذي جرت فيه أحداث النسخة السينمائية. قام هنيدي بدور «مسعود» العامل البسيط الذي يعاني ظروفاً معيشية صعبة، وتتعقد حياته بالخلافات الدائمة مع زوجته جميلة (هنا شيحة) ويعثر مصادفة على متجر لبيع الأخلاق، فيتناول أقراصاً متنوعة للشجاعة والصدق والنفاق، ليكتشف حياة جديدة مليئة بالمفارقات الكوميدية.

أقرب صديقاتها في الوسط الفني ميرفت أمين

صاحبة مقهى «الكرنك» تمثل مع نادية الجندي في فيلم «القرش»

أدوار تاجرة المخدرات تلاحق النجمة الجميلة في «زمن الممنوع»
back to top